الجمعية الخاصة للسينودس من اجل الشرق الاوسط
الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط شركة وشهادة
وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة أعمال 4/32
لتحميل ورقة العمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
word pdf
في 19 / 9 / 2009، على إثر رحله قداسة البابا إلى الأراضي المقدسة (8-15/5/2009) أعلن قداستة ، إبان اجتماع مع بطاركة الشرق الأوسط ورؤساء الأساقفة، الدعوة إلى عقد اجتماع خاص بالشرق الأوسط لسينودس الأساقفة، سينعقد في الفترة من 10 إلى 24 /10/ 2010. وتعبّر هذه المبادرة عن "اهتمام" خليفة القدّيس بطرس "بجميع الكنائس" (2 كورنثوس 11/ 28). وهي تشكّل حدثاً هاما يبيّن اهتمام الكنيسة الجامعة بكنائس الله في الشرق. أمَّا ما يخصُّ كنائس الشرق ذاتها، فإنها مدعوَّة أن تحيا هذا الحدث بعمق وتركيز، حتى يصير ينبوع نعمة في حياة مسيحيي الشرق. إنَّ زيارات قداسة البابا بندكتوس السادس عشر للأراضي المقدّسة (الأردن- إسرائيل - وفلسطين)، وكذلك زيارته لتركيا من 28 / 11 – 1/ 12 / 2006 )، مع ما جاء فيها من خطب غنية ومناسبة للأوضاع، تحمل لنا نوراً خاصاً لنستطيع فهم كلمة الله وقراءة علامات الأزمنة وتحديد السلوك المسيحي المتناسب مع دعوة كنائسنا.
أ - هدف السينودس
هناك هدف مزدوج للاجتماع الخاص بسينودس الأساقفة للشرق الأوسط: تثبيت وتقوية المسيحيين في هويّتهم، عبر كلمة الله والأسرار المقدسة، وإحياء الشركة الكنسية بين الكنائس الخاصة، حتى تستطيع تقديم شهادة حياة مسيحية أصيلة وفرحة وجذّابة. إن كنائسنا الكاثوليكية ليست وحدها في الشرق الأوسط. هناك أيضاً الكنائس الأرثوذكسية والجماعات البروتستانتية. لذلك فالبعد المسكوني أساسي، حتى تصير الشهادة المسيحية أصيلة وذات مصداقية. "ليكونوا واحداً حتى يؤمن العالم" (يوحنا 17/21)
يجب إذن تدعيم الشركة على جميع المستويات: في داخل كل كنيسة كاثوليكية في الشرق، وبين كل الكنائس الكاثوليكية، ومع باقي الكنائس المسيحية. وفي نفس الوقت يجب تقوية الشهادة التي نقدمها لإخوتنا اليهود والمسلمين ولباقي المؤمنين وغير المؤمنين.
يقدم لنا السينودس أيضاً الفرصة لتشخيص الوضع الديني والاجتماعي، حتى نعطى للمسيحيين رؤية واضحة عن معنى حضورهم في وسط مجتمعاتهم الإسلامية العربية (أو التركية أو الإيرانية أو الإسرائيلية)، وعن دورهم ورسالتهم في كل بلد، وبذلك نعدّهم أن يكونوا هناك شهوداً حقيقيين للمسيح. إنها إذن وقفة للتفكير في الوضع القائم، وهو وضع صعب: حالة صراع، وعدم استقرار، ومسيرة نضج سياسي واجتماعي في معظم بلداننا.
ب - وقفة للتفكير في ضوء الكتاب المقدس
سيقود الكتاب المقدس تفكيرنا، وهو الذي جاءت كتاباته على أرضنا، وبلغاتنا (العبرية والآرامية واليونانية)، وفي أطر وتعبيرات ثقافية وأدبية نشعر أنها تخصُّنا. إن قراءة كلمة الله تتم "في الكنيسة". ووصلتنا هذه الكتب المقدّسة عبر الجماعات الكنسية، وصار نقلها والتأمل فيها عبر طقوسنا المقدسة. إنها مرجع لا غنى عنه، لاكتشاف معنى حضورنا، وشركتنا وشهادتنا في السياق المعاصر لبلادنا.
ماذا تقول لنا كلمة الله اليوم وهنا، ماذا تقول لكل كنيسة في كل بلد؟ كيف تتجلى لنا عناية الله المُحِبّة، في السرَّاء والضرَّاء من أحداث حياتنا اليومية؟ ماذا يطلب منا الله في هذه الأيام: أنبقى، لنعيش التزامنا في مسيرة الأحداث التي هي مسيرة العناية والنعمة الإلهية؟ أم نهاجر؟
الأمر يستوجب إذن - وهذا هو أحد أهداف هذا السينودس الخاص- أن نُعيد اكتشاف كلمة الله في الكتب المقدسة، الموجَّهة اليوم إلينا، التي تخاطبنا اليوم، وليس في الماضي فقط، والتي تفسِّر لنا، كما جرى مع تلميذي عماوس، ما يدور حولنا. هذا الاكتشاف يتمُّ أولاً عبر قراءة الكتاب المقدّس التأملية، بطريقة شخصية، أو في العائلة، أو ضمن الجماعات الحية. لكن الأمر الأهم هو أن تقود هذه القراءة اختياراتنا اليومية، في الحياة الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، والسياسيةأسئلة
هل تقرأ أنت الكتاب المقدس شخصياً، في الأسرة، أو في الجماعات الحية؟
هل تقود هذه القراءة اختياراتك في حياتك الأسرية، والمهنية، أو السياسية؟
سيقود الكتاب المقدس تفكيرنا، وهو الذي جاءت كتاباته على أرضنا، وبلغاتنا (العبرية والآرامية واليونانية)، وفي أطر وتعبيرات ثقافية وأدبية نشعر أنها تخصُّنا. إن قراءة كلمة الله تتم "في الكنيسة". ووصلتنا هذه الكتب المقدّسة عبر الجماعات الكنسية، وصار نقلها والتأمل فيها عبر طقوسنا المقدسة. إنها مرجع لا غنى عنه، لاكتشاف معنى حضورنا، وشركتنا وشهادتنا في السياق المعاصر لبلادنا.
ماذا تقول لنا كلمة الله اليوم وهنا، ماذا تقول لكل كنيسة في كل بلد؟ كيف تتجلى لنا عناية الله المُحِبّة، في السرَّاء والضرَّاء من أحداث حياتنا اليومية؟ ماذا يطلب منا الله في هذه الأيام: أنبقى، لنعيش التزامنا في مسيرة الأحداث التي هي مسيرة العناية والنعمة الإلهية؟ أم نهاجر؟
الأمر يستوجب إذن - وهذا هو أحد أهداف هذا السينودس الخاص- أن نُعيد اكتشاف كلمة الله في الكتب المقدسة، الموجَّهة اليوم إلينا، التي تخاطبنا اليوم، وليس في الماضي فقط، والتي تفسِّر لنا، كما جرى مع تلميذي عماوس، ما يدور حولنا. هذا الاكتشاف يتمُّ أولاً عبر قراءة الكتاب المقدّس التأملية، بطريقة شخصية، أو في العائلة، أو ضمن الجماعات الحية. لكن الأمر الأهم هو أن تقود هذه القراءة اختياراتنا اليومية، في الحياة الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، والسياسيةأسئلة
هل تقرأ أنت الكتاب المقدس شخصياً، في الأسرة، أو في الجماعات الحية؟
هل تقود هذه القراءة اختياراتك في حياتك الأسرية، والمهنية، أو السياسية؟
أولاً: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط (8-35)
أ - وضع المسيحيين في الشرق الأوسط
نظرة تاريخية موجزة: وحدة في التعدُّد
يرجع تاريخ الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، مثل كل جماعة مسيحية في العالم، إلى الكنيسة المسيحية الأولى في القدس الشريف، التي وحّدها الروح القدس في يوم العنصرة. لكنها انقسمت في القرن الخامس بعد مجمعي أفسس وخلقدونية، لأسباب ترجع أساساً للعقيدة حول شخص الرب يسوع المسيح. وقد نشأت إثر هذا الانقسام الأول الكنيسة المعروفة اليوم باسم "كنيسة الشرق الرسولية الأشورية" (التي كانت تُسمَّى بالنسطورية)، و"الكنائس الأرثوذكسية الشرقية"، أي الكنائس القبطية، والسريانية، والأرمنية، والتي كانت تُدعى بالمونوفيزية (أى تؤمن بالطبيعة الواحدة في شخص الرب يسوع المسيح). وكان لهذه الانقسامات أيضاً أسباب سياسية وثقافية غالباً، كما أوضح ذلك منذ العصور الوسطى اللاهوتيون الشرقيون على اختلاف انتماءاتهم للتقاليد الثلاثة الكبرى آنذاك، أي "الملكيين واليعاقبة والنساطرة". فقد أكدوا جميعاً أنه لم يكن هناك أي سبب عقائدي لهذا الانقسام. ثم جاء الانقسام الكبير في القرن الحادي عشر، الذي فصل القسطنطينية عن روما، وبالتالي الشرق الأرثوذكسي عن الغرب الكاثوليكي. وكل هذه الانشقاقات مازالت آثارها قائمة حتى اليوم في كنائس الشرق الأوسط المختلفة.
وبعد الانقسامات والانشقاقات، كانت هناك، على فترات متكررة، جهود لإعادة بناء وحدة جسد المسيح. وفي إطار تلك الجهود المسكونية، تكونت الكنائس الكاثوليكية الشرقية: الأرمنية، والكلدانية، والملكية، والسريانية والقبطية. وقد انساقت هذه الكنائس في البداية إلى أسلوب الجدل مع أخواتها الكنائس الأرثوذكسية، ولكنها كانت في أغلب الأحيان مدافعة بحرارة عن الشرق المسيحي.
حفظت الكنيسة المارونية وحدتها في قلب الكنيسة الجامعة، ولم تعرف في تاريخها انقساماً كنسياً داخلياً. أما البطريركية اللاتينية الأورشليمية، فقد تأسّست في عهد الصليبيين، وأُعيد تكوينها في القرن التاسع عشر، بفضل وجود الآباء الفرنسيسكان المتواصل، ولاسيما في الأراضي المقدسة، منذ بداية القرن الثالث عشر.
صار عدد الكنائس الكاثوليكية في الشرق اليوم سبع كنائس. ومؤمنوها في الأغلب عرب أو مستعربون. وبعضها حاضر أيضاً في تركيا وفي إيران. وهي ذات أصول ثقافية وطقسية مختلفة: يونانية، وسريانية، وقبطية، وأرمنية، ولاتينية. وهذا ما يشكّل غناها البديع وتكاملها. إنها متّحدة في الشركة الواحدة مع الكنيسة الجامعة حول أسقف روما، خليفة القديس بطرس، هامة الرسل. وينبع غناها من تنوّعها نفسه، ولكن التمسك الزائد بالطقس وبالثقافة الخاصة يمكن أن تكون سبباً لفقرها جميعاً. إن التعاون بين المؤمنين عادي وطبيعي، على كافة المستويات.
الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية
من جهة أخرى، كنائسنا ذات أصل رسولي، وبلادنا كانت مهداً للمسيحية. كما قال قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في 9/6/2007: "إنها الحارس الحي للأصول المسيحية"()، "إنها أراض تقدّست بحضور المسيح نفسه والأجيال المسيحية الأولى". ستكون خسارة للكنيسة الجامعة، إذا اختفت المسيحية أو ضعفت هناك حيث وُلدت. إننا نحمل هنا مسؤولية ثقيلة: لا أن نحافظ على الإيمان المسيحي في هذه الأراضي المقدسة وحسب، وإنما بالأكثر أن نحافظ على روح الإنجيل لدى هذه الشعوب المسيحية، وفي علاقتهم مع غير المسيحيين، والحفاظ على ذاكرة الأصول.
ولأن كنائسنا كنائس رسولية، فإن لها رسالة خاصة لتحمل الإنجيل إلى العالم أجمع. وقد كان هذا الدافع ملهماً للعديد من كنائسنا عبر التاريخ: في بلاد النوبة، والحبشة، وفي شبه الجزيرة العربية، وبلاد فارس، والهند، وحتى الصين. واليوم نرى أن هذا الدافع الإنجيلي قد تباطأ غالباً، وخبت شعلة الروح.
والحال أنه انطلاقاً من تاريخنا وثقافتنا، نحن قريبون من مئات الملايين من الأشخاص، سواء من حيث الثقافة أو الروحانية. فعلينا أن نشركهم في رسالة الحب الإنجيلي التي قبلناها. ففي هذا الوقت الذي تعاني فيه شعوب بأكملها من الضياع، وتبحث عن بارقة أمل، نستطيع أن نمنحهم الرجاء الذي فينا بالروح القدس الذي أفيض في قلوبنا (راجع روم 5/5).
دور المسيحيين في المجتمع برغم قلة عددهم
إن مجتمعاتنا العربية والتركية والإيرانية، برغم اختلافها، لها خصائص مشتركة. ففيها يتغلّب التقليد وأسلوب الحياة التقليدي، وبالأخص في ما يتعلّق بالأسرة والتربية. تميّز الطائفية العلاقات بين المسيحيين كما مع غير المسيحيين، وتؤثّر بعمق على العقلية والسلوك. فالدين عنصر من عناصر الهويّة قد يفرّق عن الآخَر.
ويتغلغل عنصر الحداثة أكثر فأكثر: فالاتصال بالقنوات التلفزيونية العالمية وبالانترنت، أدخل في المجتمع المدني وبين المسيحيين قيماً جديدة، وأضاع قيماً أخرى. ولمواجهة ذلك يزداد انتشار الجماعات الإسلامية الأصولية. وتجاوب السلطة بمزيد من التسلط، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والصحافة. غير أن الأغلبية تتطلع إلى ديموقراطية حقيقية.
وبالرغم من أن المسيحيين يشكّلون أقلية بسيطة في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط، باستثناء لبنان، تتراوح بين أقل من 1٪ (في إيران وتركيا)، وحوالي 10٪ (في مصر)، إلا أنهم نشطون، وديناميكيون، وذوو إشعاع. لكن الخطر يكمن في الانطواء على الذات والخوف من الآخر. لذا يلزم تقوية إيمان وروحانية مؤمنينا، وتدعيم الروابط الاجتماعية والتضامن فيما بينهم، دون السقوط في فخ "الغيتو" أي الانغلاق. كما أن التربية هي الاستثمار الأكبر. وتقدر كنائسنا ومدارسنا أن تساعد أكثر الأقل يُسراً.
أ - وضع المسيحيين في الشرق الأوسط
نظرة تاريخية موجزة: وحدة في التعدُّد
يرجع تاريخ الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، مثل كل جماعة مسيحية في العالم، إلى الكنيسة المسيحية الأولى في القدس الشريف، التي وحّدها الروح القدس في يوم العنصرة. لكنها انقسمت في القرن الخامس بعد مجمعي أفسس وخلقدونية، لأسباب ترجع أساساً للعقيدة حول شخص الرب يسوع المسيح. وقد نشأت إثر هذا الانقسام الأول الكنيسة المعروفة اليوم باسم "كنيسة الشرق الرسولية الأشورية" (التي كانت تُسمَّى بالنسطورية)، و"الكنائس الأرثوذكسية الشرقية"، أي الكنائس القبطية، والسريانية، والأرمنية، والتي كانت تُدعى بالمونوفيزية (أى تؤمن بالطبيعة الواحدة في شخص الرب يسوع المسيح). وكان لهذه الانقسامات أيضاً أسباب سياسية وثقافية غالباً، كما أوضح ذلك منذ العصور الوسطى اللاهوتيون الشرقيون على اختلاف انتماءاتهم للتقاليد الثلاثة الكبرى آنذاك، أي "الملكيين واليعاقبة والنساطرة". فقد أكدوا جميعاً أنه لم يكن هناك أي سبب عقائدي لهذا الانقسام. ثم جاء الانقسام الكبير في القرن الحادي عشر، الذي فصل القسطنطينية عن روما، وبالتالي الشرق الأرثوذكسي عن الغرب الكاثوليكي. وكل هذه الانشقاقات مازالت آثارها قائمة حتى اليوم في كنائس الشرق الأوسط المختلفة.
وبعد الانقسامات والانشقاقات، كانت هناك، على فترات متكررة، جهود لإعادة بناء وحدة جسد المسيح. وفي إطار تلك الجهود المسكونية، تكونت الكنائس الكاثوليكية الشرقية: الأرمنية، والكلدانية، والملكية، والسريانية والقبطية. وقد انساقت هذه الكنائس في البداية إلى أسلوب الجدل مع أخواتها الكنائس الأرثوذكسية، ولكنها كانت في أغلب الأحيان مدافعة بحرارة عن الشرق المسيحي.
حفظت الكنيسة المارونية وحدتها في قلب الكنيسة الجامعة، ولم تعرف في تاريخها انقساماً كنسياً داخلياً. أما البطريركية اللاتينية الأورشليمية، فقد تأسّست في عهد الصليبيين، وأُعيد تكوينها في القرن التاسع عشر، بفضل وجود الآباء الفرنسيسكان المتواصل، ولاسيما في الأراضي المقدسة، منذ بداية القرن الثالث عشر.
صار عدد الكنائس الكاثوليكية في الشرق اليوم سبع كنائس. ومؤمنوها في الأغلب عرب أو مستعربون. وبعضها حاضر أيضاً في تركيا وفي إيران. وهي ذات أصول ثقافية وطقسية مختلفة: يونانية، وسريانية، وقبطية، وأرمنية، ولاتينية. وهذا ما يشكّل غناها البديع وتكاملها. إنها متّحدة في الشركة الواحدة مع الكنيسة الجامعة حول أسقف روما، خليفة القديس بطرس، هامة الرسل. وينبع غناها من تنوّعها نفسه، ولكن التمسك الزائد بالطقس وبالثقافة الخاصة يمكن أن تكون سبباً لفقرها جميعاً. إن التعاون بين المؤمنين عادي وطبيعي، على كافة المستويات.
الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية
من جهة أخرى، كنائسنا ذات أصل رسولي، وبلادنا كانت مهداً للمسيحية. كما قال قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في 9/6/2007: "إنها الحارس الحي للأصول المسيحية"()، "إنها أراض تقدّست بحضور المسيح نفسه والأجيال المسيحية الأولى". ستكون خسارة للكنيسة الجامعة، إذا اختفت المسيحية أو ضعفت هناك حيث وُلدت. إننا نحمل هنا مسؤولية ثقيلة: لا أن نحافظ على الإيمان المسيحي في هذه الأراضي المقدسة وحسب، وإنما بالأكثر أن نحافظ على روح الإنجيل لدى هذه الشعوب المسيحية، وفي علاقتهم مع غير المسيحيين، والحفاظ على ذاكرة الأصول.
ولأن كنائسنا كنائس رسولية، فإن لها رسالة خاصة لتحمل الإنجيل إلى العالم أجمع. وقد كان هذا الدافع ملهماً للعديد من كنائسنا عبر التاريخ: في بلاد النوبة، والحبشة، وفي شبه الجزيرة العربية، وبلاد فارس، والهند، وحتى الصين. واليوم نرى أن هذا الدافع الإنجيلي قد تباطأ غالباً، وخبت شعلة الروح.
والحال أنه انطلاقاً من تاريخنا وثقافتنا، نحن قريبون من مئات الملايين من الأشخاص، سواء من حيث الثقافة أو الروحانية. فعلينا أن نشركهم في رسالة الحب الإنجيلي التي قبلناها. ففي هذا الوقت الذي تعاني فيه شعوب بأكملها من الضياع، وتبحث عن بارقة أمل، نستطيع أن نمنحهم الرجاء الذي فينا بالروح القدس الذي أفيض في قلوبنا (راجع روم 5/5).
دور المسيحيين في المجتمع برغم قلة عددهم
إن مجتمعاتنا العربية والتركية والإيرانية، برغم اختلافها، لها خصائص مشتركة. ففيها يتغلّب التقليد وأسلوب الحياة التقليدي، وبالأخص في ما يتعلّق بالأسرة والتربية. تميّز الطائفية العلاقات بين المسيحيين كما مع غير المسيحيين، وتؤثّر بعمق على العقلية والسلوك. فالدين عنصر من عناصر الهويّة قد يفرّق عن الآخَر.
ويتغلغل عنصر الحداثة أكثر فأكثر: فالاتصال بالقنوات التلفزيونية العالمية وبالانترنت، أدخل في المجتمع المدني وبين المسيحيين قيماً جديدة، وأضاع قيماً أخرى. ولمواجهة ذلك يزداد انتشار الجماعات الإسلامية الأصولية. وتجاوب السلطة بمزيد من التسلط، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والصحافة. غير أن الأغلبية تتطلع إلى ديموقراطية حقيقية.
وبالرغم من أن المسيحيين يشكّلون أقلية بسيطة في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط، باستثناء لبنان، تتراوح بين أقل من 1٪ (في إيران وتركيا)، وحوالي 10٪ (في مصر)، إلا أنهم نشطون، وديناميكيون، وذوو إشعاع. لكن الخطر يكمن في الانطواء على الذات والخوف من الآخر. لذا يلزم تقوية إيمان وروحانية مؤمنينا، وتدعيم الروابط الاجتماعية والتضامن فيما بينهم، دون السقوط في فخ "الغيتو" أي الانغلاق. كما أن التربية هي الاستثمار الأكبر. وتقدر كنائسنا ومدارسنا أن تساعد أكثر الأقل يُسراً.
التحديات التي يواجهها مسيحيّ الشرق الأوسط
الصراعات السياسية في المنطقة
إن الصراعات السياسية الجارية حالياً في المنطقة تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة المسيحيين، باعتبارهم مواطنين وباعتبارهم أيضاً مسيحيين. فالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجعل من الحياة اليومية صعبة، سواء في حرية الحركة، والاقتصاد، والحياة الدينية (كالوصول إلى الأماكن المقدّسة، المرتهن بإذن عسكري، يُمنح للبعض ويُرفض لغيرهم، لأسباب أمنية). وعلاوة على ذلك، توجد تيارات لاهوتية مسيحية أصولية تبرر من الكتاب المقدس احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة وضع المسيحيين العرب.
وفي العراق، أطلقت الحرب العنان لقوى الشر في البلد، لدى الطوائف الدينية، والتيارات السياسية. فأسقطت ضحايا من كل العراقيين. وكان المسيحيون من الضحايا الأساسيين، حيث يشكلون الجماعة الأصغر عدداً والأضعف بين الجماعات العراقية. في حين لا تراعي السياسة الدولية لهم أي حساب.
وفي لبنان ينقسم المسيحيون انقساماً عميقاً على الصعيد السياسي والطائفي، ولا يملك أحد مشروعاً يحوز قبول الجميع. وفي مصر حيث يزداد نمو الإسلام السياسي من جهة، وانسحاب المسيحيين من التزامهم بالمجتمع المدني من جهة أخرى، مما يجعل حياتهم عُرضة لعدم التسامح، وعدم المساواة، وعدم العدالة. كما تتغلغل هذه الأسلمة أيضا عبر وسائل الإعلام ومناهج التعليم داخل الأسرة، مما يؤثر في تغيير العقلية وأسلمتها بطريقة غير واعية. وفي العديد من البلدان، فإن التسلّط، والدكتاتورية أحيانا، تدفع الشعوب، بمن فيهم المسيحيين، إلى احتمال كل شيء في صمت لإنقاذ الأمور الأساسية. وفي تركيا يطرح التصور العلماني الحالي الكثير من المسائل على الحرية الدينية الكاملة في البلد.
ولقد وصفت الرسالة الرعوية العاشرة للبطاركة الكاثوليك (عام 2009) وضع المسيحيين هذا في البلاد العربية المختلفة. حيث تشخّص الخاتمة الموقف الانهزامى: "أمام هذه الحقائق المختلفة، يظل البعض ثابتاً في إيمانهم والتزامهم في المجتمع، مشاركين في جميع التضحيات ومساهمين في المشروع الاجتماعي المشترك. بينما على عكس ذلك، نجد غيرهم يتملّكهم اليأس، ويفقدون الثقة في مجتمعاتهم، وفي قدرتها على أن توفّر لهم المساواة مع جميع المواطنين. ولذلك يتخلَّون عن أي التزام، وينسحبون في إطار كنائسهم ومؤسساتها، فيعيشون في جُزُر منعزلة بلا تفاعل مع الكيان الاجتماعي.().
حرية العقيدة وحرية الضمير
في الشرق تعني حرية العقيدة في المعتاد حرية العبادة. فهي لا تدل إذن على حرية الضمير، أي حرية التخلي عن الديانة الخاصة أو الإيمان بديانة أخرى. فالديانة في الشرق هي عادةً اختيار اجتماعي لا بل قومي، وليست اختياراً شخصياً. فتغيير الديانة يُعتبر خيانة للمجتمع، وللثقافة، وللأمة المبنية أساسياً على تقليد ديني.
كما يُنظر إلى الاهتداء (تغيير الدين) على أنه ثمرة اقتناص مُغرض، لا يستند إلى قناعة دينيَّة حقيقيَّة. وهو غالباً ما يكون محظوراً على اليهودي والمسلم بموجب قوانين الدولة. وبالنسبة إلى المسيحي، فهو أيضا يختبر ضغطاً واعتراضاً، وإن كانا أخفّ بكثير، من جانب الأسرة أو القبيلة. لكنه يظل حراً في التغيير. وكثيراً ما لا يكون التغيير بسبب الاقتناع الديني، بل لمصالح شخصية، أو تحت ضغوط الاقتناص الإسلامي، وبالذات للتملُّص من الالتزامات الشخصية المترتِّبة في حالات الصعوبات الأسريّة المسيحيون وتطور الإسلام المعاصر
في رسالتهم الرعوية الأخيرة، قال بطاركة الشرق الكاثوليك: " إن تصاعد الإسلام السياسي منذ عام 1970 تقريباً، هو ظاهرة بارزة، تؤثّر على المنطقة وعلى أوضاع المسيحيين في العالم العربي. ويشمل هذا الإسلام السياسي تيارات دينية متعددة، تسعى إلى فرض أسلوب حياة إسلامي على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية، وعلى كل من يعيشون فيها، مسلمين كانوا أم غير مسلمين. ويعتبرون أن البُعد عن الإسلام هو سبب جميع الويلات. والحل إذن هو العودة إلى إسلام الأصول. ومن هنا خرج الشعار: "الإسلام هو الحل". ولتحقيق هذا الهدف، لا يتردّد البعض من اللجوء إلى العنف"(). يخصّ هذا التوجّه المجتمع الإسلامي أولاً. ولكن تبعاته تعود على الوجود
المسيحي في الشرق. لذلك فهذه التيارات المتطرفة تشكل تهديداً للجميع، مسيحيين ومسلمين، الهجرة
بدأت الهجرة من المشرق بين المسيحيين وغير المسيحيين نحو نهاية القرن التاسع عشر. والسببان الأساسيان كانا السياسة والاقتصاد. لم تكن العلاقات الدينية في أفضل صوَرها، ولكن نظام الملل (جماعات عرقية دينية) كان يكفل نوعاً من الحماية للمسيحيين داخل مجتمعاتهم. مما لم يكن يمنع من قيام بعض المنازعات الدينية والقبلية. وقد ازدادت هذه الهجرة اليوم بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما أحدثه من عدم استقرار في المنطقة بأسرها، وصولاً إلى حرب العراق وعدم الاستقرار السياسي في لبنان.
علاوة على ذلك، نجد أن السياسات الدُوليّة غالبا ما تتجاهل وجود المسيحيين، وهذا أيضاً سبب رئيسي من أسباب الهجرة. والحال أنه، في إطار الوضع السياسي الحالي في الشرق الأوسط، يصعب تحقيق اقتصاد، يقدر أن يوفّر مستوى حياة كريمة للمجتمع كله. يمكن اتخاذ بعض التدابير لتقليل الهجرة، ولكن جذورها تكمن في الوقائع السياسية القائمة. وهي التي يلزم التعامل معها، والكنيسة مدعوّة إلى الالتزام بهذا العمل.
هناك عنصر آخر يستطيع أن يحدّ من هجرة المسيحيين: وهو تنمية الوعي لديهم بمعنى حضورهم. فكل شخص في بلده هو حامل لرسالة المسيح لمجتمعه. ويلزم حمل هذه الرسالة في زمن الصعوبات والاضطهاد. وهذا ما يعلنه لنا الرب يسوع في الإنجيل: "سوف يضطهدونكم... طوبى لكم... طوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم.. افرحوا وابتهجوا لأن أجركم في السموات عظيم" (متى 5/11–12). إلى هذا المستوى يجب أن نعلو بمعونة المسيح.
الهجرة المسيحية من دول أخرى إلى الشرق الأوسط
تستقبل بلاد الشرق الأوسط مئات الألوف من الأفريقيين كعمال مهاجرين، من إثيوبيا، وخصوصاً من السودان، ومن الآسيويين وخصوصاً من الفيليبين، ومن سيريلانكا، ومن بنغلاديش، ومن نيبال، ومن باكستان، ومن الهند. وأغلبهم من النساء اللواتي تعملن كخادمات، لتوفّرن لأبنائهن تربية وحياة أفضل. وكثيراً ما يتعرض هؤلاء النساء والرجال، لمظالم اجتماعية، واستغلال، وانتهاكات جنسيّة، سواء من جهة الدول التي تستقبلهم، أو المكاتب التي تستحضرهم، أو أصحاب العمل.
علينا هنا مسؤولية رعوية لمرافقة هؤلاء الأشخاص، سواء على المستوى الديني أو المستوى الاجتماعي. فهؤلاء المهاجرون كثيراً ما يواجهون مشاكل مأساوية، والكنيسة لا تقدر أن تعمل لهم شيئاً كثيراً. وفي الآن نفسه، فتكوين أبنائنا المسيحيين على تعليم الكنيسة الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية، وعلى العدالة الاجتماعية، أمر مُلحّ ولا غنى عنه، لتفادي أي تصرّف من التعالي أو الاحتقار. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد احترام للقوانين والمواثيق الدولية.
إجابات المسيحيين في حياتهم اليومية
إن موقف المسيحيين في كنائسنا ومجتمعاتنا، تجاه كل التحديات السابقة الذكر، متنوع ومختلف: - فهناك المسيحي المؤمن والملتزم، الذي يقبل ويعيش إيمانه بإخلاص في حياته الخاصة والعامة.
- هناك أيضاً المسيحي "العلماني"، الذي رأيناه خاصةً عبر التاريخ المعاصر، في بلادنا المختلفة. وهو يلتزم بعمق في الحياة العامة، ويؤسس الأحزاب السياسية بالأخص اليسارية منها، أو يصير عضواً بها، وإنما كثيراً ما يضحّي بإيمانه في سبيل ذلك.
- هناك أيضاً المسيحي صاحب الإيمان التقليدي، الملتزم بالعبادات والممارسات الدينية الخارجية، والتي لا تأثير لها على حياته العملية، ولا على سلّم القِيَم لديه. بل بعكس ذلك، يشارك مجتمعه نفس المعايير والقِيَم المنفعية (البرغماتية) السائدة، والمناقضة أحياناً للإنجيل. ويتبنّى سلوك الصراع القائم في مجتمعه. ولا يختلف عن الآخرين سوى بالممارسات الدينية الخارجية، وبالأعياد الخاصة به، أو باسمه المسيحي.
- هناك أيضاً المسيحي الذي يعتبر نفسه شخصاً ضعيفاً. وهو معقَّد من قلة عدد جماعته المسيحية، وسط مجتمع غالبيته إسلامية. إنه خائف. ومفعم بالقلق، ومهموم بأن يرى حقوقه مُنتهَكة.
إن الأسلوب الذي يعيش به المسيحي إيمانه ينعكس مباشرة على انتمائه للكنيسة. فالإيمان العميق يقود إلى اندماج قوى وملتزم. والإيمان السطحي يعنى أيضاً انتماءً سطحياً. وفي الحالة الأولى يكون الانتماء حقيقياً وصادقاً، فيشارك المؤمن في حياة الكنيسة ويلتزم فيها بكل ما له من إيمان. وفي الحالة الثانية يكون الانتماء طائفياً فقط.() وفي هذه الحالة يطالب المؤمن كنيسته أن تهتم بكل نواحي حياته المادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى "التعوّد على المعونة" وإلى العجز عن العمل.()
وهذا ما يتطلّب اهتداءً شخصياً من المسيحيين، ابتداءً من الرعاة، بالعودة إلى روح الإنجيل، بحيث تصير حياتنا شهادةً لحب لله، يتجلى في الحب الفعلي للجميع ولكل شخص. علينا أن نكون شهوداً للمسيح القائم من بين الأموات: "وكان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيّدها قدرة عظيمة" (أعمال 4/ 33)، وذلك للخروج من أنانيتنا، وصراعاتنا، وضعفاتنا الشخصية.
إن الحياة المكرسة موجودة في بلادنا بدرجات مختلفة. وحيث لا توجد حياة رهبانية تأملية، فالمرجو العمل على تأسيسها. والرسالة الأولى للرهبان والراهبات هي الصلاة والتشفُّع من أجل المجتمع: من أجل عدالة أوفر في السياسة والاقتصاد، و تضامن واحترام أفضل في العلاقات الأسرية، ومزيد من الشجاعة للتنديد بالظلم، ومزيد من النزاهة لعدم الانسياق إلى صراعات المجتمع، أو إلى البحث عن مصالح شخصية. هذه هي الأخلاقيات التي يتوجب على الرعاة، والرهبان، والراهبات، والمربّين، أن يقدمونها في مؤسساتنا (المدارس، والجامعات، والمراكز الاجتماعية، والمستشفيات، وغيرها)، حتى يصير أبناؤنا المؤمنون هم أيضاً شهوداً حقيقيين للقيامة في المجتمع.
إن تكوين الإكليروس والمؤمنين، والوعظ والتربية الدينية، يجب أن تعطي للمؤمن معنىً حقيقياً لإيمانه، وتجعله يدرك دوره في المجتمع باسم هذا الإيمان. يجب أن نعلّمه أن يبحث عن الله وأن يراه في كل شيء وفي كل شخص، وأن يجتهد ليجعله حاضراً في مجتمعنا وفي عالمنا، وذلك بممارسة الفضائل الشخصية والاجتماعية: كالعدالة، والنزاهة، والاستقامة، والترحيب، والتضامن، وانفتاح القلب، ونقاوة الأخلاق، والإخلاص، وغيرها من الفضائل.
في سبيل ذلك يجب القيام بمجهود خاص لاكتشاف وتكوين "الكوادر" الضرورية، من الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين، رجالاً ونساءً، حتى يكونوا شهوداً حقيقيين لله الآب، وليسوع القائم من بين الأموات، في مجتمعاتنا، وشهوداً للروح القدس الذي أرسله الرب يسوع لكنيسته، ليشجّعوا إخوتهم وأخواتهم في هذه الأزمنة الصعبة، ويشاركوا في بنيان المجتمع.
أسئلة
ماذا تعمل كنائسنا في سبيل تشجيع الدعوات للحياة الرهبانية والتأملية؟
كيف يمكن أن نساهم في تحسين الوسط الاجتماعي في بلادنا المختلفة؟
ما هو الدور الذي تقوم به كنيستكم، للمساعدة في قبول الحداثة، مع ما تتطلبه من نظرة نقدية ضرورية، في مجتمعاتكم؟
ماذا يجب أن نعمل ليزداد احترام الحرية الدينية، وحرية الضمير؟
ماذا يمكن عمله لوقف أو تقليص هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط؟
كيف يمكن أن نتابع المسيحيين الذين هاجروا، وكيف نحافظ على العلاقة معهم؟
ماذا يجب على كنائسنا أن تفعل، لتعلّم مؤمنيها احترام المهاجرين الوافدين، وحقوقهم في أن يُعاملوا بعدالة ومحبة؟
ماذا تفعل كنسيتك لتوفير العناية الرعوية للمهاجرين الوافدين الكاثوليك، ولحمايتهم من تعدّيات واستغلال السلطات (الشرطة ومسؤولي السجون)، بالإضافة إلى مكاتب التشغيل، وأصحاب العمل؟
هل تقوم كنائسنا بتكوين الكوادر المسيحية، للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في بلادنا؟ وماذا يمكنها أن تفعل؟
الصراعات السياسية في المنطقة
إن الصراعات السياسية الجارية حالياً في المنطقة تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة المسيحيين، باعتبارهم مواطنين وباعتبارهم أيضاً مسيحيين. فالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجعل من الحياة اليومية صعبة، سواء في حرية الحركة، والاقتصاد، والحياة الدينية (كالوصول إلى الأماكن المقدّسة، المرتهن بإذن عسكري، يُمنح للبعض ويُرفض لغيرهم، لأسباب أمنية). وعلاوة على ذلك، توجد تيارات لاهوتية مسيحية أصولية تبرر من الكتاب المقدس احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة وضع المسيحيين العرب.
وفي العراق، أطلقت الحرب العنان لقوى الشر في البلد، لدى الطوائف الدينية، والتيارات السياسية. فأسقطت ضحايا من كل العراقيين. وكان المسيحيون من الضحايا الأساسيين، حيث يشكلون الجماعة الأصغر عدداً والأضعف بين الجماعات العراقية. في حين لا تراعي السياسة الدولية لهم أي حساب.
وفي لبنان ينقسم المسيحيون انقساماً عميقاً على الصعيد السياسي والطائفي، ولا يملك أحد مشروعاً يحوز قبول الجميع. وفي مصر حيث يزداد نمو الإسلام السياسي من جهة، وانسحاب المسيحيين من التزامهم بالمجتمع المدني من جهة أخرى، مما يجعل حياتهم عُرضة لعدم التسامح، وعدم المساواة، وعدم العدالة. كما تتغلغل هذه الأسلمة أيضا عبر وسائل الإعلام ومناهج التعليم داخل الأسرة، مما يؤثر في تغيير العقلية وأسلمتها بطريقة غير واعية. وفي العديد من البلدان، فإن التسلّط، والدكتاتورية أحيانا، تدفع الشعوب، بمن فيهم المسيحيين، إلى احتمال كل شيء في صمت لإنقاذ الأمور الأساسية. وفي تركيا يطرح التصور العلماني الحالي الكثير من المسائل على الحرية الدينية الكاملة في البلد.
ولقد وصفت الرسالة الرعوية العاشرة للبطاركة الكاثوليك (عام 2009) وضع المسيحيين هذا في البلاد العربية المختلفة. حيث تشخّص الخاتمة الموقف الانهزامى: "أمام هذه الحقائق المختلفة، يظل البعض ثابتاً في إيمانهم والتزامهم في المجتمع، مشاركين في جميع التضحيات ومساهمين في المشروع الاجتماعي المشترك. بينما على عكس ذلك، نجد غيرهم يتملّكهم اليأس، ويفقدون الثقة في مجتمعاتهم، وفي قدرتها على أن توفّر لهم المساواة مع جميع المواطنين. ولذلك يتخلَّون عن أي التزام، وينسحبون في إطار كنائسهم ومؤسساتها، فيعيشون في جُزُر منعزلة بلا تفاعل مع الكيان الاجتماعي.().
حرية العقيدة وحرية الضمير
في الشرق تعني حرية العقيدة في المعتاد حرية العبادة. فهي لا تدل إذن على حرية الضمير، أي حرية التخلي عن الديانة الخاصة أو الإيمان بديانة أخرى. فالديانة في الشرق هي عادةً اختيار اجتماعي لا بل قومي، وليست اختياراً شخصياً. فتغيير الديانة يُعتبر خيانة للمجتمع، وللثقافة، وللأمة المبنية أساسياً على تقليد ديني.
كما يُنظر إلى الاهتداء (تغيير الدين) على أنه ثمرة اقتناص مُغرض، لا يستند إلى قناعة دينيَّة حقيقيَّة. وهو غالباً ما يكون محظوراً على اليهودي والمسلم بموجب قوانين الدولة. وبالنسبة إلى المسيحي، فهو أيضا يختبر ضغطاً واعتراضاً، وإن كانا أخفّ بكثير، من جانب الأسرة أو القبيلة. لكنه يظل حراً في التغيير. وكثيراً ما لا يكون التغيير بسبب الاقتناع الديني، بل لمصالح شخصية، أو تحت ضغوط الاقتناص الإسلامي، وبالذات للتملُّص من الالتزامات الشخصية المترتِّبة في حالات الصعوبات الأسريّة المسيحيون وتطور الإسلام المعاصر
في رسالتهم الرعوية الأخيرة، قال بطاركة الشرق الكاثوليك: " إن تصاعد الإسلام السياسي منذ عام 1970 تقريباً، هو ظاهرة بارزة، تؤثّر على المنطقة وعلى أوضاع المسيحيين في العالم العربي. ويشمل هذا الإسلام السياسي تيارات دينية متعددة، تسعى إلى فرض أسلوب حياة إسلامي على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية، وعلى كل من يعيشون فيها، مسلمين كانوا أم غير مسلمين. ويعتبرون أن البُعد عن الإسلام هو سبب جميع الويلات. والحل إذن هو العودة إلى إسلام الأصول. ومن هنا خرج الشعار: "الإسلام هو الحل". ولتحقيق هذا الهدف، لا يتردّد البعض من اللجوء إلى العنف"(). يخصّ هذا التوجّه المجتمع الإسلامي أولاً. ولكن تبعاته تعود على الوجود
المسيحي في الشرق. لذلك فهذه التيارات المتطرفة تشكل تهديداً للجميع، مسيحيين ومسلمين، الهجرة
بدأت الهجرة من المشرق بين المسيحيين وغير المسيحيين نحو نهاية القرن التاسع عشر. والسببان الأساسيان كانا السياسة والاقتصاد. لم تكن العلاقات الدينية في أفضل صوَرها، ولكن نظام الملل (جماعات عرقية دينية) كان يكفل نوعاً من الحماية للمسيحيين داخل مجتمعاتهم. مما لم يكن يمنع من قيام بعض المنازعات الدينية والقبلية. وقد ازدادت هذه الهجرة اليوم بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما أحدثه من عدم استقرار في المنطقة بأسرها، وصولاً إلى حرب العراق وعدم الاستقرار السياسي في لبنان.
علاوة على ذلك، نجد أن السياسات الدُوليّة غالبا ما تتجاهل وجود المسيحيين، وهذا أيضاً سبب رئيسي من أسباب الهجرة. والحال أنه، في إطار الوضع السياسي الحالي في الشرق الأوسط، يصعب تحقيق اقتصاد، يقدر أن يوفّر مستوى حياة كريمة للمجتمع كله. يمكن اتخاذ بعض التدابير لتقليل الهجرة، ولكن جذورها تكمن في الوقائع السياسية القائمة. وهي التي يلزم التعامل معها، والكنيسة مدعوّة إلى الالتزام بهذا العمل.
هناك عنصر آخر يستطيع أن يحدّ من هجرة المسيحيين: وهو تنمية الوعي لديهم بمعنى حضورهم. فكل شخص في بلده هو حامل لرسالة المسيح لمجتمعه. ويلزم حمل هذه الرسالة في زمن الصعوبات والاضطهاد. وهذا ما يعلنه لنا الرب يسوع في الإنجيل: "سوف يضطهدونكم... طوبى لكم... طوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم.. افرحوا وابتهجوا لأن أجركم في السموات عظيم" (متى 5/11–12). إلى هذا المستوى يجب أن نعلو بمعونة المسيح.
الهجرة المسيحية من دول أخرى إلى الشرق الأوسط
تستقبل بلاد الشرق الأوسط مئات الألوف من الأفريقيين كعمال مهاجرين، من إثيوبيا، وخصوصاً من السودان، ومن الآسيويين وخصوصاً من الفيليبين، ومن سيريلانكا، ومن بنغلاديش، ومن نيبال، ومن باكستان، ومن الهند. وأغلبهم من النساء اللواتي تعملن كخادمات، لتوفّرن لأبنائهن تربية وحياة أفضل. وكثيراً ما يتعرض هؤلاء النساء والرجال، لمظالم اجتماعية، واستغلال، وانتهاكات جنسيّة، سواء من جهة الدول التي تستقبلهم، أو المكاتب التي تستحضرهم، أو أصحاب العمل.
علينا هنا مسؤولية رعوية لمرافقة هؤلاء الأشخاص، سواء على المستوى الديني أو المستوى الاجتماعي. فهؤلاء المهاجرون كثيراً ما يواجهون مشاكل مأساوية، والكنيسة لا تقدر أن تعمل لهم شيئاً كثيراً. وفي الآن نفسه، فتكوين أبنائنا المسيحيين على تعليم الكنيسة الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية، وعلى العدالة الاجتماعية، أمر مُلحّ ولا غنى عنه، لتفادي أي تصرّف من التعالي أو الاحتقار. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد احترام للقوانين والمواثيق الدولية.
إجابات المسيحيين في حياتهم اليومية
إن موقف المسيحيين في كنائسنا ومجتمعاتنا، تجاه كل التحديات السابقة الذكر، متنوع ومختلف: - فهناك المسيحي المؤمن والملتزم، الذي يقبل ويعيش إيمانه بإخلاص في حياته الخاصة والعامة.
- هناك أيضاً المسيحي "العلماني"، الذي رأيناه خاصةً عبر التاريخ المعاصر، في بلادنا المختلفة. وهو يلتزم بعمق في الحياة العامة، ويؤسس الأحزاب السياسية بالأخص اليسارية منها، أو يصير عضواً بها، وإنما كثيراً ما يضحّي بإيمانه في سبيل ذلك.
- هناك أيضاً المسيحي صاحب الإيمان التقليدي، الملتزم بالعبادات والممارسات الدينية الخارجية، والتي لا تأثير لها على حياته العملية، ولا على سلّم القِيَم لديه. بل بعكس ذلك، يشارك مجتمعه نفس المعايير والقِيَم المنفعية (البرغماتية) السائدة، والمناقضة أحياناً للإنجيل. ويتبنّى سلوك الصراع القائم في مجتمعه. ولا يختلف عن الآخرين سوى بالممارسات الدينية الخارجية، وبالأعياد الخاصة به، أو باسمه المسيحي.
- هناك أيضاً المسيحي الذي يعتبر نفسه شخصاً ضعيفاً. وهو معقَّد من قلة عدد جماعته المسيحية، وسط مجتمع غالبيته إسلامية. إنه خائف. ومفعم بالقلق، ومهموم بأن يرى حقوقه مُنتهَكة.
إن الأسلوب الذي يعيش به المسيحي إيمانه ينعكس مباشرة على انتمائه للكنيسة. فالإيمان العميق يقود إلى اندماج قوى وملتزم. والإيمان السطحي يعنى أيضاً انتماءً سطحياً. وفي الحالة الأولى يكون الانتماء حقيقياً وصادقاً، فيشارك المؤمن في حياة الكنيسة ويلتزم فيها بكل ما له من إيمان. وفي الحالة الثانية يكون الانتماء طائفياً فقط.() وفي هذه الحالة يطالب المؤمن كنيسته أن تهتم بكل نواحي حياته المادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى "التعوّد على المعونة" وإلى العجز عن العمل.()
وهذا ما يتطلّب اهتداءً شخصياً من المسيحيين، ابتداءً من الرعاة، بالعودة إلى روح الإنجيل، بحيث تصير حياتنا شهادةً لحب لله، يتجلى في الحب الفعلي للجميع ولكل شخص. علينا أن نكون شهوداً للمسيح القائم من بين الأموات: "وكان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيّدها قدرة عظيمة" (أعمال 4/ 33)، وذلك للخروج من أنانيتنا، وصراعاتنا، وضعفاتنا الشخصية.
إن الحياة المكرسة موجودة في بلادنا بدرجات مختلفة. وحيث لا توجد حياة رهبانية تأملية، فالمرجو العمل على تأسيسها. والرسالة الأولى للرهبان والراهبات هي الصلاة والتشفُّع من أجل المجتمع: من أجل عدالة أوفر في السياسة والاقتصاد، و تضامن واحترام أفضل في العلاقات الأسرية، ومزيد من الشجاعة للتنديد بالظلم، ومزيد من النزاهة لعدم الانسياق إلى صراعات المجتمع، أو إلى البحث عن مصالح شخصية. هذه هي الأخلاقيات التي يتوجب على الرعاة، والرهبان، والراهبات، والمربّين، أن يقدمونها في مؤسساتنا (المدارس، والجامعات، والمراكز الاجتماعية، والمستشفيات، وغيرها)، حتى يصير أبناؤنا المؤمنون هم أيضاً شهوداً حقيقيين للقيامة في المجتمع.
إن تكوين الإكليروس والمؤمنين، والوعظ والتربية الدينية، يجب أن تعطي للمؤمن معنىً حقيقياً لإيمانه، وتجعله يدرك دوره في المجتمع باسم هذا الإيمان. يجب أن نعلّمه أن يبحث عن الله وأن يراه في كل شيء وفي كل شخص، وأن يجتهد ليجعله حاضراً في مجتمعنا وفي عالمنا، وذلك بممارسة الفضائل الشخصية والاجتماعية: كالعدالة، والنزاهة، والاستقامة، والترحيب، والتضامن، وانفتاح القلب، ونقاوة الأخلاق، والإخلاص، وغيرها من الفضائل.
في سبيل ذلك يجب القيام بمجهود خاص لاكتشاف وتكوين "الكوادر" الضرورية، من الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين، رجالاً ونساءً، حتى يكونوا شهوداً حقيقيين لله الآب، وليسوع القائم من بين الأموات، في مجتمعاتنا، وشهوداً للروح القدس الذي أرسله الرب يسوع لكنيسته، ليشجّعوا إخوتهم وأخواتهم في هذه الأزمنة الصعبة، ويشاركوا في بنيان المجتمع.
أسئلة
ماذا تعمل كنائسنا في سبيل تشجيع الدعوات للحياة الرهبانية والتأملية؟
كيف يمكن أن نساهم في تحسين الوسط الاجتماعي في بلادنا المختلفة؟
ما هو الدور الذي تقوم به كنيستكم، للمساعدة في قبول الحداثة، مع ما تتطلبه من نظرة نقدية ضرورية، في مجتمعاتكم؟
ماذا يجب أن نعمل ليزداد احترام الحرية الدينية، وحرية الضمير؟
ماذا يمكن عمله لوقف أو تقليص هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط؟
كيف يمكن أن نتابع المسيحيين الذين هاجروا، وكيف نحافظ على العلاقة معهم؟
ماذا يجب على كنائسنا أن تفعل، لتعلّم مؤمنيها احترام المهاجرين الوافدين، وحقوقهم في أن يُعاملوا بعدالة ومحبة؟
ماذا تفعل كنسيتك لتوفير العناية الرعوية للمهاجرين الوافدين الكاثوليك، ولحمايتهم من تعدّيات واستغلال السلطات (الشرطة ومسؤولي السجون)، بالإضافة إلى مكاتب التشغيل، وأصحاب العمل؟
هل تقوم كنائسنا بتكوين الكوادر المسيحية، للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في بلادنا؟ وماذا يمكنها أن تفعل؟
ثانياً: الشركة الكنسية
مدخل
إن أساس الشركة المسيحية هو مِثال الحياة الإلهية في سر الثالوث الأقدس. فالله محبة (1 يوحنا 4/8)، والعلاقة بين الأقانيم الإلهية هي علاقة محبة. وبالمثل فالشركة في الكنيسة بين كل أعضاء جسد المسيح مؤسّسة على علاقات المحبة: "ليكونوا واحداً فينا، أيها الآب، مثلما أنت فيَّ وأنا فيك " (يوحنا 17/21). علينا إذن أن نعيش معاً، في كل كنيسة، حياة الشركة الثالوثية ذاتها. فيجب أن تكون حياة الكنيسة وكنائس الشرق شركة حياة في المحبة، على مثال وحدة الابن مع الآب والروح القدس.
لقد أوصانا الرب يسوع بهذه الوحدة في مَثل الكرمة والأغصان (راجع يوحنا 15/1-7). ولقد توسّع القديس بولس في عرض حقيقة الحياة المسيحية هذه، بمثال وحدة الحياة في الجسد مع تعدّد الأعضاء (راجع 1 كورنثوس 12/ 12-21). فكل كنيسة تبني إذن وحدة حياتها على الواقع الحقيقي أن كل عضو في الكنيسة هو، بالمعمودية، عضو في جسد المسيح الذي هو الرأس. فالشركة بين الكنائس، أو في داخل الكنيسة الواحدة، تتحقق إذن في الوعي بأن كل واحد وكل واحدة عضو في جسد رأسه هو المسيح. وحيث أن المسيح هو الرأس، يجب أن يكون كل عضو أهلاً للرأس الذي به يتّحد اتحاداً وثيقاً.
الشركة في الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة
تتجلى شركة الكنيسة الجامعة في علامتين أساسيتين: الأولى هي الشركة في الإفخارستيا، والثانية هي الشركة مع قداسة البابا أسقف روما، خليفة القديس بطرس ورئيس الكنيسة كلها. وقد شرَّعت مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، على المستوى القانوني، شركة الحياة هذه، في كنيسة المسيح الواحدة. ومجمع الكنائس الشرقية، ومختلف المؤسسات الرومانية، هم أيضاً في خدمة هذه الشركة.
وعلى مستوى المؤمنين، فإنَّ مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية العليا، وكذلك المؤسسات الخيرية، كالمستشفيات، والملاجئ، وبيوت المسنّين، تقبل كل المسيحيين بلا تفرقة. وفي المدن، نجد المؤمنين الكاثوليك من الكنائس المختلفة، كثيراً ما يمارسون حياتهم الدينية في الكنيسة الأقرب إلى مساكنهم، مع بقائهم أمناء لطائفتهم الخاصة، التي يقبلون فيها الأسرار (العماد، والميرون، والزواج، وغيرها).
الشركة بين الأساقفة والإكليروس والمؤمنين
تتمّ الشركة بين الأعضاء المختلفة داخل الكنيسة أو البطريركية الواحدة، على مثال الشركة بين الكنيسة الجامعة وخليفة بطرس أسقف روما. وعلى مستوى الكنائس البطريركية، يتمّ التعبير عن هذه الشركة عِبر السينودس، الذي يجمع أساقفة جماعة كنسية واحدة حول البطريرك، أب ورئيس كنيسته. وعلى مستوى الأبرشية، تتمّ حول الأسقف شركة الإكليروس، والرهبان، والراهبات، وكذلك العلمانيين. إن الصلاة، والحضور الإفخارستي، والإصغاء إلى كلمة الله، هي الأوقات التي توحّد الكنيسة، وتقودها إلى الأساس، إلى الإنجيل. وعلى الأسقف أن يسهر على تناسق جميع الأطراف برغم لحظات الضعف.
تعطى هذه النعمة بواسطة الأسقف إلى كل راعي رعية أو جماعة من المؤمنين، حيث يوجد حتماً أعضاء أقوياء وآخرون أقل قوة. وبالرغم من حدودهم كلها، يظلّون أدوات في يد الله، الذي ائتمنهم على كنز في آنية خزفية (راجع 2 كورنثوس 4/7). وهو يصنع منهم أداة نعمته. "لأني عندما أكون ضعيفاً، أكون قوياً"(2 كورنثوس 12/10).
وهذا يعنى أن خدّام المسيح، وكل الذين يسعون إلى إتّباعه عن قرب، يحملون مسؤولية ثقيلة في الجماعة، ليس فقط لإدارة كنيسة الله محلياً.() ولكن بالأكثر على المستوى الروحي والأخلاقي: إنهم مثال وقدوة للآخرين. تنتظر منهم جماعة المؤمنين أن يعيشوا عملياً القيم الإنجيلية بصورة مثالية. ولا نندهش من أن المؤمنين ينتظرون منهم، (الأساقفة، والكهنة، والرهبان، والراهبات)، بساطة أكبر في الحياة، وتجرّد حقيقي عن المال والرفاهية الدنيوية، وممارسة متوهّجة للعفاف، وطهارة أخلاق شفّافة. وإنما ليست هذه هي الحال دوماً، وهذا ما يسبب شكوكاً بالغة للمؤمنين.
وهناك أيضاً، روح التلميذين يعقوب ويوحنا، اللذين طلبا من يسوع أن يعطيهما المكان الأول عن يمينه وعن يساره(). هذا الروح ما زال موجوداً، ويتسبب في اضطرابات بين الأخوة. فبدلاً من أن نتواجد معاً لمواجهة الصعوبات، نتشاجر أحياناً فيما بيننا، ونحصي عدد المؤمنين، كما لو كنا نريد أن نعرف من الأكبر. إن روح التنافس يحطِّمنا! وبالعكس فإن التفاني الروحي والرعوي، يمكن أن ينشّط إبداعنا في خدمة الجميع. وهذا التنافس في الخدمة هو ما يجب تشجيعه. ومثل بقية كنائس العالم، على كنائسنا أن تتطهّر باستمرار. ويهدف هذا السينودس إلى المساعدة في عمل هذا الفحص الضميري الصادق، لاكتشاف نقاط القوة وتدعيمها وتطويرها، ونقاط الضعف حتى تتوافر لنا شجاعة تصحيحها.
يتوجب علينا العودة إلى مثال الجماعة المسيحية الأولى: "وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة، لا يدَّعي أحد منهم ملك ما يخصُّه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم. وكان الرسل يؤدُّون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيدها قدرة عظيمة. وكانت النعمة عليهم جميعاً. فما كان أحد منهم في حاجة" (أعمال 4/32-34).
إن المؤسسات والحركات الرسولية، ذات الأصول المحلية أو الدُولية، القادمة من كل البلاد، يتوجب عليها أن تتأقلم مع عقلية المكان وأسلوب الحياة، الذي تقدمه لهم كنيسة وبلد الاستقبال. ومن الضروري التحلّي بروح التواضع لطاعة الأسقف، والاستعلام عن التقاليد، وعن الثقافة، وبالأخص عن لغة البلد. وعلى بعض الحركات الدولية، التي تقوم بأعمال جديرة بالثناء، أن تتجسّد بصورة أكبر في مجتمعاتنا، دون أن تفقد طابعها (الكاريزما) الخاص.
أسئلة
ماذا تعني حياة الشركة في الكنيسة؟
كيف تتجلى شركة الوحدة بين كنائس الشرق المختلفة مع قداسة البابا؟
كيف يمكن تحسين العلاقات بين الكنائس المختلفة، في مجال العمل الديني، والخيري، والثقافي؟
هل يشكّل موقف "رجال الكنيسة" من المال مشكلة بالنسبة لك؟
هل تشكّل مشاركة مؤمنين من طائفتك، في احتفالات كنائس كاثوليكية أخرى، مشكلة بالنسبة لك؟
كيف يمكن تحسين علاقات الشركة بين مختلف الأشخاص في الكنيسة: بين الأساقفة والكهنة، الأشخاص المكرسين، والعلمانيين؟
الشهادة المسيحية
46- إن الإيمان المُعاش يحمل ثماراً وفيرة. والإيمان بدون أعمال إيمان ميت (راجع يعقوب 2/17). كنائسنا نشيطة: فهناك العديد من المشروعات، والكثير من أنشطة الشباب، والوفير من المؤسسات التربوية والخيرية، وغيرها. وأحياناً تكون هذه الخدمات فعّالة على المستوى المهني، ولكنها قد لا تكون دائماً شهادة للمحبة المتجرّدة، التي تدعو إلى إدراك ينبوعها الإنجيلي.
الشهادة للإنجيل في الكنيسة ذاتها التعليم المسيحي والأعمال
تتمّ البشارة الاعتيادية بالإنجيل في العظات عند الاحتفال بالقداس الإلهي، أو بمنح الأسرار المقدسة. وكذلك في التعليم المسيحي في المدارس والرعايا، أو في "مدارس الأحد" للتلاميذ الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الحكومية والتي لا توجد بها دروس للتعليم المسيحي. ويجب الحرص على أن ينال معلّمو التعليم المسيحي تكويناً جيداً، وأن يكونوا مثالاً حياً للشباب. فمن الملاحَظ أكثر فأكثر أن الكهنة الرعاة لا يعطون التعليم المسيحي بأنفسهم. كما تتمّ البشارة أيضاً عن طريق المجلات، والكتب، والانترنت. وتوجد أيضاً في كل مكان معاهد للتربية الكتابية واللاهوتية. ولا ننسى الجامعات الكاثوليكية والمراكز الدولية الموجودة في القدس الشريف وفي أماكن أخرى.
في بلاد مشرقنا، أكثر مما في سائر بلاد العالم، يلزم أن يحتل الكتاب المقدس المكانة الرئيسية. ومن المهم حفظ فقرات كثيرة منه عن ظهر قلب. ومن المهم أيضاً معرفة التراث الكنسي الخاص. كذلك من المهم أن نعرف الذين يشاركوننا العيش والحياة، أخوتنا المسلمين واليهود، بعيداً عن أي أحكام سلبية مسبَّقة. كما يلزم أن نعرف الاعتراضات الموجَّهة إلى المسيحية، حتى نكون قادرين على تقديم الإيمان المسيحي بصورة أفضل.
ومن الضروري أن يتمّ توضيح وجهة النظر المسيحية، في كافة المواضيع التي تشغل المجتمع والرأي العام، بصورة قويّة وذكيّة. ويجب تكوين الشباب والمؤمنين على العمل المشترك كفريق، وعلى التضامن مع الأكثر فقراً واحتياجاً، وعلى الحب الصادق نحو الجميع، مسيحيين كانوا أو غير مسيحيين. وكذلك تكوينهم على العمل من أجل الخير العام للمجتمع كله.
كذلك فإن وسائل الإعلام الحديثة وسائل فعّالة للغاية في الشهادة للإنجيل: الإنترنت (للشباب خاصة)، والراديو والتلفزيون. إنما ما زالت هذه الوسائل قليلة الاستعمال جداً لدينا. وهنا نشير إلى وسيلتين إعلاميتين كاثوليكيتين في لبنان: "صوت المحبة" و"نورسات"، اللتين يصل إشعاعهما إلى الشرق الأوسط كله، بل إلى كل أنحاء العالم. إنهما يستحقان دعماً أكبر، وكذلك كل مراكز الإعلام الكاثوليكية في بلادنا المختلفة.
وحيث أننا نعيش في مجتمعات تتكاثر فيها الصراعات من كل نوع، فيلزم على التعليم المسيحي أن يهيئ الشباب على مواجهتها، وهم أقوياء بفضل إيمانهم ونور وصية المحبة. ماذا تعنى محبة الأعداء؟ كيف نعيشها؟ كيف نغلب الشر بالخير؟ يجب التشديد على المشاركة الفعّالة في الحياة العامة كمسيحيين، بنور وقوة ووداعة إيماننا. ونظراً للانقسامات العديدة المؤسّسة على الديانة، والتحزّب الأُسري أو السياسي، يجب تكوين الشباب على تجاوز هذه الحواجز والعداوات الداخلية، وأن يروا وجه الله في كل شخص بشري، ليتعاونوا معاً، ويبنوا مدينة مشتركة تتقبّل الجميع. يجب أن يركّز تعليمنا المسيحي على هذه العناصر، وبالأخص في مدارسنا الكاثوليكية، التي تُعِدُّ الشباب لبناء مستقبل، مبنى لا على الصراع وعدم الاستقرار، بل على التعاون والسلام.
ومن جهة أخرى، يظهر عمل الكنيسة في العدد الكبير من الأعمال الاجتماعية: المستوصفات، والمستشفيات، وبيوت الأيتام والمسنين، والمعاقين، وغيرهم. وهنا أيضا يقوم العلمانيون بدور محوري أساسي، لا ثانوي. والخطر الموجود هنا أو هناك، هو أن تتحول هذه الأعمال الاجتماعية إلى منافسة طائفية. لذلك لا بد من التنسيق بين الكنائس، لتلافي التكرار غير الضروري في بعض المجالات، وترك مجالات أخرى فارغة
مدخل
إن أساس الشركة المسيحية هو مِثال الحياة الإلهية في سر الثالوث الأقدس. فالله محبة (1 يوحنا 4/8)، والعلاقة بين الأقانيم الإلهية هي علاقة محبة. وبالمثل فالشركة في الكنيسة بين كل أعضاء جسد المسيح مؤسّسة على علاقات المحبة: "ليكونوا واحداً فينا، أيها الآب، مثلما أنت فيَّ وأنا فيك " (يوحنا 17/21). علينا إذن أن نعيش معاً، في كل كنيسة، حياة الشركة الثالوثية ذاتها. فيجب أن تكون حياة الكنيسة وكنائس الشرق شركة حياة في المحبة، على مثال وحدة الابن مع الآب والروح القدس.
لقد أوصانا الرب يسوع بهذه الوحدة في مَثل الكرمة والأغصان (راجع يوحنا 15/1-7). ولقد توسّع القديس بولس في عرض حقيقة الحياة المسيحية هذه، بمثال وحدة الحياة في الجسد مع تعدّد الأعضاء (راجع 1 كورنثوس 12/ 12-21). فكل كنيسة تبني إذن وحدة حياتها على الواقع الحقيقي أن كل عضو في الكنيسة هو، بالمعمودية، عضو في جسد المسيح الذي هو الرأس. فالشركة بين الكنائس، أو في داخل الكنيسة الواحدة، تتحقق إذن في الوعي بأن كل واحد وكل واحدة عضو في جسد رأسه هو المسيح. وحيث أن المسيح هو الرأس، يجب أن يكون كل عضو أهلاً للرأس الذي به يتّحد اتحاداً وثيقاً.
الشركة في الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة
تتجلى شركة الكنيسة الجامعة في علامتين أساسيتين: الأولى هي الشركة في الإفخارستيا، والثانية هي الشركة مع قداسة البابا أسقف روما، خليفة القديس بطرس ورئيس الكنيسة كلها. وقد شرَّعت مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، على المستوى القانوني، شركة الحياة هذه، في كنيسة المسيح الواحدة. ومجمع الكنائس الشرقية، ومختلف المؤسسات الرومانية، هم أيضاً في خدمة هذه الشركة.
وعلى مستوى المؤمنين، فإنَّ مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية العليا، وكذلك المؤسسات الخيرية، كالمستشفيات، والملاجئ، وبيوت المسنّين، تقبل كل المسيحيين بلا تفرقة. وفي المدن، نجد المؤمنين الكاثوليك من الكنائس المختلفة، كثيراً ما يمارسون حياتهم الدينية في الكنيسة الأقرب إلى مساكنهم، مع بقائهم أمناء لطائفتهم الخاصة، التي يقبلون فيها الأسرار (العماد، والميرون، والزواج، وغيرها).
الشركة بين الأساقفة والإكليروس والمؤمنين
تتمّ الشركة بين الأعضاء المختلفة داخل الكنيسة أو البطريركية الواحدة، على مثال الشركة بين الكنيسة الجامعة وخليفة بطرس أسقف روما. وعلى مستوى الكنائس البطريركية، يتمّ التعبير عن هذه الشركة عِبر السينودس، الذي يجمع أساقفة جماعة كنسية واحدة حول البطريرك، أب ورئيس كنيسته. وعلى مستوى الأبرشية، تتمّ حول الأسقف شركة الإكليروس، والرهبان، والراهبات، وكذلك العلمانيين. إن الصلاة، والحضور الإفخارستي، والإصغاء إلى كلمة الله، هي الأوقات التي توحّد الكنيسة، وتقودها إلى الأساس، إلى الإنجيل. وعلى الأسقف أن يسهر على تناسق جميع الأطراف برغم لحظات الضعف.
تعطى هذه النعمة بواسطة الأسقف إلى كل راعي رعية أو جماعة من المؤمنين، حيث يوجد حتماً أعضاء أقوياء وآخرون أقل قوة. وبالرغم من حدودهم كلها، يظلّون أدوات في يد الله، الذي ائتمنهم على كنز في آنية خزفية (راجع 2 كورنثوس 4/7). وهو يصنع منهم أداة نعمته. "لأني عندما أكون ضعيفاً، أكون قوياً"(2 كورنثوس 12/10).
وهذا يعنى أن خدّام المسيح، وكل الذين يسعون إلى إتّباعه عن قرب، يحملون مسؤولية ثقيلة في الجماعة، ليس فقط لإدارة كنيسة الله محلياً.() ولكن بالأكثر على المستوى الروحي والأخلاقي: إنهم مثال وقدوة للآخرين. تنتظر منهم جماعة المؤمنين أن يعيشوا عملياً القيم الإنجيلية بصورة مثالية. ولا نندهش من أن المؤمنين ينتظرون منهم، (الأساقفة، والكهنة، والرهبان، والراهبات)، بساطة أكبر في الحياة، وتجرّد حقيقي عن المال والرفاهية الدنيوية، وممارسة متوهّجة للعفاف، وطهارة أخلاق شفّافة. وإنما ليست هذه هي الحال دوماً، وهذا ما يسبب شكوكاً بالغة للمؤمنين.
وهناك أيضاً، روح التلميذين يعقوب ويوحنا، اللذين طلبا من يسوع أن يعطيهما المكان الأول عن يمينه وعن يساره(). هذا الروح ما زال موجوداً، ويتسبب في اضطرابات بين الأخوة. فبدلاً من أن نتواجد معاً لمواجهة الصعوبات، نتشاجر أحياناً فيما بيننا، ونحصي عدد المؤمنين، كما لو كنا نريد أن نعرف من الأكبر. إن روح التنافس يحطِّمنا! وبالعكس فإن التفاني الروحي والرعوي، يمكن أن ينشّط إبداعنا في خدمة الجميع. وهذا التنافس في الخدمة هو ما يجب تشجيعه. ومثل بقية كنائس العالم، على كنائسنا أن تتطهّر باستمرار. ويهدف هذا السينودس إلى المساعدة في عمل هذا الفحص الضميري الصادق، لاكتشاف نقاط القوة وتدعيمها وتطويرها، ونقاط الضعف حتى تتوافر لنا شجاعة تصحيحها.
يتوجب علينا العودة إلى مثال الجماعة المسيحية الأولى: "وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة، لا يدَّعي أحد منهم ملك ما يخصُّه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم. وكان الرسل يؤدُّون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيدها قدرة عظيمة. وكانت النعمة عليهم جميعاً. فما كان أحد منهم في حاجة" (أعمال 4/32-34).
إن المؤسسات والحركات الرسولية، ذات الأصول المحلية أو الدُولية، القادمة من كل البلاد، يتوجب عليها أن تتأقلم مع عقلية المكان وأسلوب الحياة، الذي تقدمه لهم كنيسة وبلد الاستقبال. ومن الضروري التحلّي بروح التواضع لطاعة الأسقف، والاستعلام عن التقاليد، وعن الثقافة، وبالأخص عن لغة البلد. وعلى بعض الحركات الدولية، التي تقوم بأعمال جديرة بالثناء، أن تتجسّد بصورة أكبر في مجتمعاتنا، دون أن تفقد طابعها (الكاريزما) الخاص.
أسئلة
ماذا تعني حياة الشركة في الكنيسة؟
كيف تتجلى شركة الوحدة بين كنائس الشرق المختلفة مع قداسة البابا؟
كيف يمكن تحسين العلاقات بين الكنائس المختلفة، في مجال العمل الديني، والخيري، والثقافي؟
هل يشكّل موقف "رجال الكنيسة" من المال مشكلة بالنسبة لك؟
هل تشكّل مشاركة مؤمنين من طائفتك، في احتفالات كنائس كاثوليكية أخرى، مشكلة بالنسبة لك؟
كيف يمكن تحسين علاقات الشركة بين مختلف الأشخاص في الكنيسة: بين الأساقفة والكهنة، الأشخاص المكرسين، والعلمانيين؟
الشهادة المسيحية
46- إن الإيمان المُعاش يحمل ثماراً وفيرة. والإيمان بدون أعمال إيمان ميت (راجع يعقوب 2/17). كنائسنا نشيطة: فهناك العديد من المشروعات، والكثير من أنشطة الشباب، والوفير من المؤسسات التربوية والخيرية، وغيرها. وأحياناً تكون هذه الخدمات فعّالة على المستوى المهني، ولكنها قد لا تكون دائماً شهادة للمحبة المتجرّدة، التي تدعو إلى إدراك ينبوعها الإنجيلي.
الشهادة للإنجيل في الكنيسة ذاتها التعليم المسيحي والأعمال
تتمّ البشارة الاعتيادية بالإنجيل في العظات عند الاحتفال بالقداس الإلهي، أو بمنح الأسرار المقدسة. وكذلك في التعليم المسيحي في المدارس والرعايا، أو في "مدارس الأحد" للتلاميذ الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الحكومية والتي لا توجد بها دروس للتعليم المسيحي. ويجب الحرص على أن ينال معلّمو التعليم المسيحي تكويناً جيداً، وأن يكونوا مثالاً حياً للشباب. فمن الملاحَظ أكثر فأكثر أن الكهنة الرعاة لا يعطون التعليم المسيحي بأنفسهم. كما تتمّ البشارة أيضاً عن طريق المجلات، والكتب، والانترنت. وتوجد أيضاً في كل مكان معاهد للتربية الكتابية واللاهوتية. ولا ننسى الجامعات الكاثوليكية والمراكز الدولية الموجودة في القدس الشريف وفي أماكن أخرى.
في بلاد مشرقنا، أكثر مما في سائر بلاد العالم، يلزم أن يحتل الكتاب المقدس المكانة الرئيسية. ومن المهم حفظ فقرات كثيرة منه عن ظهر قلب. ومن المهم أيضاً معرفة التراث الكنسي الخاص. كذلك من المهم أن نعرف الذين يشاركوننا العيش والحياة، أخوتنا المسلمين واليهود، بعيداً عن أي أحكام سلبية مسبَّقة. كما يلزم أن نعرف الاعتراضات الموجَّهة إلى المسيحية، حتى نكون قادرين على تقديم الإيمان المسيحي بصورة أفضل.
ومن الضروري أن يتمّ توضيح وجهة النظر المسيحية، في كافة المواضيع التي تشغل المجتمع والرأي العام، بصورة قويّة وذكيّة. ويجب تكوين الشباب والمؤمنين على العمل المشترك كفريق، وعلى التضامن مع الأكثر فقراً واحتياجاً، وعلى الحب الصادق نحو الجميع، مسيحيين كانوا أو غير مسيحيين. وكذلك تكوينهم على العمل من أجل الخير العام للمجتمع كله.
كذلك فإن وسائل الإعلام الحديثة وسائل فعّالة للغاية في الشهادة للإنجيل: الإنترنت (للشباب خاصة)، والراديو والتلفزيون. إنما ما زالت هذه الوسائل قليلة الاستعمال جداً لدينا. وهنا نشير إلى وسيلتين إعلاميتين كاثوليكيتين في لبنان: "صوت المحبة" و"نورسات"، اللتين يصل إشعاعهما إلى الشرق الأوسط كله، بل إلى كل أنحاء العالم. إنهما يستحقان دعماً أكبر، وكذلك كل مراكز الإعلام الكاثوليكية في بلادنا المختلفة.
وحيث أننا نعيش في مجتمعات تتكاثر فيها الصراعات من كل نوع، فيلزم على التعليم المسيحي أن يهيئ الشباب على مواجهتها، وهم أقوياء بفضل إيمانهم ونور وصية المحبة. ماذا تعنى محبة الأعداء؟ كيف نعيشها؟ كيف نغلب الشر بالخير؟ يجب التشديد على المشاركة الفعّالة في الحياة العامة كمسيحيين، بنور وقوة ووداعة إيماننا. ونظراً للانقسامات العديدة المؤسّسة على الديانة، والتحزّب الأُسري أو السياسي، يجب تكوين الشباب على تجاوز هذه الحواجز والعداوات الداخلية، وأن يروا وجه الله في كل شخص بشري، ليتعاونوا معاً، ويبنوا مدينة مشتركة تتقبّل الجميع. يجب أن يركّز تعليمنا المسيحي على هذه العناصر، وبالأخص في مدارسنا الكاثوليكية، التي تُعِدُّ الشباب لبناء مستقبل، مبنى لا على الصراع وعدم الاستقرار، بل على التعاون والسلام.
ومن جهة أخرى، يظهر عمل الكنيسة في العدد الكبير من الأعمال الاجتماعية: المستوصفات، والمستشفيات، وبيوت الأيتام والمسنين، والمعاقين، وغيرهم. وهنا أيضا يقوم العلمانيون بدور محوري أساسي، لا ثانوي. والخطر الموجود هنا أو هناك، هو أن تتحول هذه الأعمال الاجتماعية إلى منافسة طائفية. لذلك لا بد من التنسيق بين الكنائس، لتلافي التكرار غير الضروري في بعض المجالات، وترك مجالات أخرى فارغة
الشهادة المشتركة مع الكنائس والجماعات المسيحية الأخرى
إن روابط الشركة الحقيقية، وإن لم تكن كاملة، بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس والجماعات المسيحية الأخرى، تتأسس على الإيمان المشترك بالمسيح المصلوب والممجَّد، وكذلك على سر المعمودية.() وعادةً ما تكون العلاقات جيّدة وتتّسم بالصداقة. وهي من نوعين: على المستوى الفردي أو بين الكنائس، أو بين الأساقفة، وبين الكهنة أو المؤمنين العلمانيين، كعلامة صداقة أو تعاون. وعلى المستوى الجماعي، عندما يلتقى أساقفة المدينة الواحدة بطريقة منتظمة، لدراسة المسائل الرعوية، والاجتماعية، أو السياسية.
وعلى مستوى الرعايا، بين الرعاة، عادة ما تكون العلاقات علاقات صداقة. وأحيانا تتّصف بالتنافس أو النقد. فعلى مستوى الكنائس هناك صعوبتان نشير إليهما: واحدة ذات طابع رعوي: تتطلّب بعض الكنائس أو الجماعات الكنسيّة غير الكاثوليكية، في حالة الزواج المختلط، إعادة معمودية الطرف الكاثوليكي. وتأتى صعوبة أخرى رعوية من جانب بعض الشيع "الإنجيلية" التي تمارس "الاقتناص"، فتزيد الانقسام بين المسيحيين. أما الصعوبة الثانيةفهي ذات طابع تاريخي، وتوجد في الأرض المقدّسة، حيث يخضع نظام الأماكن المقدّسة لقانون "الوضع الراهن". وأحيانا تكون العلاقات صعبة في اكبر مزارين مسيحيين: كنيسة القبر المقدس وكنيسة الميلاد.()
ويتمّ الحوار المسكوني في إطار مجلس كنائس الشرق الأوسط، (لجنة "الإيمان والوحدة")، الذي يجمع كل الكنائس في أربع عائلات: العائلة اليونانية الأرثوذكسية، والعائلة الأرثوذكسية الشرقية (الكنائس القبطية، والسريانية، والأرمنية)، والعائلة الكاثوليكية التي تضم الكنائس البطريركية الست والكنيسة اللاتينية، والعائلة البروتستانتية (الأنغليكان- اللوثريون – المشيخيون، وطوائف أخرى). ويمثّل هذا المجلس عملياً كل مسيحيي العالم العربي. وهو بلجانه المختلفة (الإيمان والوحدة، المؤسسات اللاهوتية والإكليريكيات، العدالة والسلام، الشباب، وغيرها) يقوم بعمل مسكوني، يحمل إلى الكنائس نسمة جديدة، وقدرة على التعامل مع الآخر باحترام.
علاوة على ذلك، يواصل الكرسي الرسولي الحوار اللاهوتي الخصب والمثمر، مع الكنائس الأرثوذكسية مجتمعة، وحواراً منفصلاً مع عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية كلها، تشترك فيه الكنائس الكاثوليكية الشرقية اشتراكاً فعالاً. كما أن مؤسسّة "من أجل الشرق" في فيينا بالنمسا، تجمع من وقت لآخر كنائس المنطقة الكاثوليكية والأرثوذكسية، في لقاءات فكر لاهوتي ومسكوني.
وتستقبل المدارس الكاثوليكية جميع المسيحيين. وإذا وافق الوالدون، يمكن للطلبة الأرثوذكس أن يشتركوا في سر المصالحة وسر الإفخارستيا. ويلزم استبعاد كل نوع من أنواع الاقتناص. فالتلاميذ الأرثوذكس مدعوون إلى معرفة كنيستهم والأمانة لها. وتوجد مشروعات اجتماعية مشتركة عديدة، يبادر بها ويديرها العلمانيون أنفسهم.
وتوجد مشروعات رعوية مشتركة، تتمّ دراستها في مجلس البطاركة الكاثوليك، المجتمعين مع البطاركة الأرثوذكس، في لبنان وسوريا. وتتناول أربع نقاط: الزواج المختلط بين مختلف المذاهب المسيحية، والمناولة الاحتفالية الأولى، ومنهج مشترك للتعليم المسيحي، وتاريخ مشترك لعيدي الميلاد والقيامة. وتمت اتفاقات حول النقاط الثلاث الأولى. فالتعليم المسيحي المشترك قد وصل إلى كتاب مرحلة الصف السادس الابتدائي. أما مسالة توحيد عيدي الميلاد والقيامة، التي يتناولها مجلس كنائس الشرق الأوسط، فتلاقى صعوبات لا يمكن التغلب عليها (من القوانين والتقاليد وغيرها). علماً بأن رغبة المؤمنين الكبرى، في كل بلاد الشرق الأوسط، هي أن يأتي اليوم الذي يحتفلون فيه معاً بهذين العيدين.
وعلى المستوى الأكاديمي، يوجد تعاون بين الجامعات، وكليات أو معاهد اللاهوت. فدراسة التراث المسيحي، العربي والسرياني، تثير اهتماماً حقيقياً لدى المؤسسات الأكاديمية والسلطات الكنسية. وهذا المجال واعد جداً، ويمكن أن يكون مصدراً للغِنى الروحي: فالعودة إلى التقليد المشترك يمكن أن تكون وسيلة ممتازة للتقارب اللاهوتي. بالإضافة إلى ذلك، فالتراث العربي المسيحي، الذي يحظى أكاديمياً بقيمة بارزة، يساعد على إقامة حوار ثقافي وديني حقيقي بين المسيحيين أنفسهم، ومع المسلمين أيضاً.
وهناك مجال آخر يستحق التعاون المنتظم بين الكاثوليك والأرثوذكس، وهو مجال الطقوس الكنسية. إننا نتمنّى أن يكون هناك مجهود لتجديدها، تنطلق جذوره من التقليد الكنسي، ويأخذ في الحسبان الحساسيات العصرية، والاحتياجات الروحية والرعوية الحالية. وبقدر المستطاع يلزم القيام بهذا العمل سوياً.
العلاقة الخاصة مع الديانة اليهودية
نظراً لحالة الصراع السياسي بين الفلسطينيين والعالم العربي من جهة، وبين دولة إسرائيل من جهة أخرى، فالحوار بين كنائس الشرق الأوسط وإسرائيل محدود جداً. وتقتصر العلاقة مع اليهودية على كنائس الأراضي المقدسة(). ففي فلسطين وإسرائيل توجد مؤسسات عديدة للحوار المسيحي- اليهودي. كما توجد مبادرات للحوار بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. وأهمها هي ما يقوم به "مجلس المؤسسات الدينية في الأرض المقدّسة"، الذي تأسس عام 2001 (ويضم الحاخام الأكبر، والقاضي الأعظم، ووزير الأوقاف، وبطاركة أو رؤساء كنائس القدس الثلاثة عشر). ويتمّ الحوار الأكثر أهمية على مستوى الكرسي الرسولي مع حاخام إسرائيل الأكبر، ويشترك فيه أيضاً ممثلون عن الكنائس المحلية.
وقد وأشار مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك صريحاً إلى العلاقة مع اليهودية، منذ رسالته الرعوية الثانية (1992). وفي الرسالة العاشرة والأخيرة (2009) يقول: "إن هذه العلاقات مسألة تخص المسيحيين العرب، وكذلك كل العالم العربي. لذا يجب اعتبارها على ثلاثة مستويات: المستوى الإنساني، والديني، والسياسي. فعلى المستوى الإنساني، كل شخص بشرى هو خليقة الله. فعلى مستوى هذا اللقاء، يرى كل واحد منا وجه الله في الآخر، فيعترف بكرامته ويحترمه، أياً كانت ديانته أو قوميته.
وعلى المستوى الديني، فالديانات مدعوة إلى الالتقاء والحوار، وإلى أن تكون عاملا للتقارب بين الناس، لاسيما في أزمنة الحرب والأزمات (...). إن دور الرئيس الديني، في كل ديانة، دور صعب، بالأخص في حالة تواصل العداوة بين طرفين (...). إن مجتمعاتنا في حاجة إلى رؤساء دينيين مخلصين، يكونون خدّاماً لشعوبهم وللإنسانية، يرون أن جوهر الديانة، في كل الظروف، يقوم في عبادة الله واحترام كل خلائقه.
وعلى المستوى السياسي، فإن هذه العلاقة مازالت مدموغة بحالة عداوة بين الفلسطينيين والعالم العربي من جانب، وبين الإسرائيليين من الجانب الآخر (تزيدها المفاهيم الدينية خطورة). وسبب هذه العداوة هو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي اللبنانية والسورية."() وعلى هذا المستوى، يرجع إلى الرؤساء السياسيين المعنيّين، بمساعدة الأسرة الدُولية، أن تأخذ القرارات اللازمة، التي تتّفق مع قرارات الأمم المتحدة.
وهذا ما أكّده بوضوح قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، عند زيارته الرسولية للأراضي المقدسة، في حفلي استقباله. ففي ببيت لحم، في 13/5/2009، قال: "سيادة الرئيس، إن الكرسي الرسولي يدعم حقّ شعبكم في وطن فلسطيني، ذي سيادة على أرض أجداده، وطن آمن وفي سلام مع جيرانه، داخل حدود مُعترَف بها على المستوى الدولي.() وفي خطابه في مطار بن غوريون بتل أبيب، في 11/5/2009، تمنىّ قداسته أن "يستطيع الشعبان أن يعيشا في سلام، كل منهما في وطنه، بحدود آمنة ومُعترف بها دُوليا".()
علينا كمسيحيين أن ندعم كل وسيلة سِلميّة يمكن أن تقود إلى سلام عادل. ومن رسالتنا كذلك أن نذكّر دوما بالفارق بين المستوى الديني والمستوى السياسي. وكما ذكر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون صفح"(). يجب أن نتعلّم أن نغفر، دون أن نقبل أبداً الظلم.
إن العمل على خلق مجموعات صداقة وتفكير، من أجل السلام بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، هو واجب جوهري ومسيحي مهم للغاية. فكما هدم المسيح الحائط الذي كان يفصل بين اليهود واليونانيين، آخذاً الشر على ذاته، في جسده (راجع أفسس 2/13-14)، كذلك يتوجب علينا أن نهدم حائط الخوف، وعدم الثقة، والكراهية، وذلك بصداقتنا مع اليهود والمسلمين، والفلسطينيين والإسرائيليين.
أما على المستوى اللاهوتي، فحسب تعليم Nostra Aetate (بيان المجمع الڤاتيكاني الثاني في علاقات الكنيسة بالأديان غير المسيحية)، رقم 4، يجب أن نشرح لمؤمنينا الرباط الديني بين الديانتين اليهودية والمسيحية، والقائم على الرباط بين العهدين القديم والجديد، حتى نتفادى أن تشوّه الإيديولوجيات السياسية هذه العلاقة. فالتمييز الواضح بين المستويين السياسي واللاهوتي أمر جوهري: لا نستخدم الكتاب المقدس لأغراض سياسية، ولا السياسة لأغراض لاهوتية.
إن روابط الشركة الحقيقية، وإن لم تكن كاملة، بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس والجماعات المسيحية الأخرى، تتأسس على الإيمان المشترك بالمسيح المصلوب والممجَّد، وكذلك على سر المعمودية.() وعادةً ما تكون العلاقات جيّدة وتتّسم بالصداقة. وهي من نوعين: على المستوى الفردي أو بين الكنائس، أو بين الأساقفة، وبين الكهنة أو المؤمنين العلمانيين، كعلامة صداقة أو تعاون. وعلى المستوى الجماعي، عندما يلتقى أساقفة المدينة الواحدة بطريقة منتظمة، لدراسة المسائل الرعوية، والاجتماعية، أو السياسية.
وعلى مستوى الرعايا، بين الرعاة، عادة ما تكون العلاقات علاقات صداقة. وأحيانا تتّصف بالتنافس أو النقد. فعلى مستوى الكنائس هناك صعوبتان نشير إليهما: واحدة ذات طابع رعوي: تتطلّب بعض الكنائس أو الجماعات الكنسيّة غير الكاثوليكية، في حالة الزواج المختلط، إعادة معمودية الطرف الكاثوليكي. وتأتى صعوبة أخرى رعوية من جانب بعض الشيع "الإنجيلية" التي تمارس "الاقتناص"، فتزيد الانقسام بين المسيحيين. أما الصعوبة الثانيةفهي ذات طابع تاريخي، وتوجد في الأرض المقدّسة، حيث يخضع نظام الأماكن المقدّسة لقانون "الوضع الراهن". وأحيانا تكون العلاقات صعبة في اكبر مزارين مسيحيين: كنيسة القبر المقدس وكنيسة الميلاد.()
ويتمّ الحوار المسكوني في إطار مجلس كنائس الشرق الأوسط، (لجنة "الإيمان والوحدة")، الذي يجمع كل الكنائس في أربع عائلات: العائلة اليونانية الأرثوذكسية، والعائلة الأرثوذكسية الشرقية (الكنائس القبطية، والسريانية، والأرمنية)، والعائلة الكاثوليكية التي تضم الكنائس البطريركية الست والكنيسة اللاتينية، والعائلة البروتستانتية (الأنغليكان- اللوثريون – المشيخيون، وطوائف أخرى). ويمثّل هذا المجلس عملياً كل مسيحيي العالم العربي. وهو بلجانه المختلفة (الإيمان والوحدة، المؤسسات اللاهوتية والإكليريكيات، العدالة والسلام، الشباب، وغيرها) يقوم بعمل مسكوني، يحمل إلى الكنائس نسمة جديدة، وقدرة على التعامل مع الآخر باحترام.
علاوة على ذلك، يواصل الكرسي الرسولي الحوار اللاهوتي الخصب والمثمر، مع الكنائس الأرثوذكسية مجتمعة، وحواراً منفصلاً مع عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية كلها، تشترك فيه الكنائس الكاثوليكية الشرقية اشتراكاً فعالاً. كما أن مؤسسّة "من أجل الشرق" في فيينا بالنمسا، تجمع من وقت لآخر كنائس المنطقة الكاثوليكية والأرثوذكسية، في لقاءات فكر لاهوتي ومسكوني.
وتستقبل المدارس الكاثوليكية جميع المسيحيين. وإذا وافق الوالدون، يمكن للطلبة الأرثوذكس أن يشتركوا في سر المصالحة وسر الإفخارستيا. ويلزم استبعاد كل نوع من أنواع الاقتناص. فالتلاميذ الأرثوذكس مدعوون إلى معرفة كنيستهم والأمانة لها. وتوجد مشروعات اجتماعية مشتركة عديدة، يبادر بها ويديرها العلمانيون أنفسهم.
وتوجد مشروعات رعوية مشتركة، تتمّ دراستها في مجلس البطاركة الكاثوليك، المجتمعين مع البطاركة الأرثوذكس، في لبنان وسوريا. وتتناول أربع نقاط: الزواج المختلط بين مختلف المذاهب المسيحية، والمناولة الاحتفالية الأولى، ومنهج مشترك للتعليم المسيحي، وتاريخ مشترك لعيدي الميلاد والقيامة. وتمت اتفاقات حول النقاط الثلاث الأولى. فالتعليم المسيحي المشترك قد وصل إلى كتاب مرحلة الصف السادس الابتدائي. أما مسالة توحيد عيدي الميلاد والقيامة، التي يتناولها مجلس كنائس الشرق الأوسط، فتلاقى صعوبات لا يمكن التغلب عليها (من القوانين والتقاليد وغيرها). علماً بأن رغبة المؤمنين الكبرى، في كل بلاد الشرق الأوسط، هي أن يأتي اليوم الذي يحتفلون فيه معاً بهذين العيدين.
وعلى المستوى الأكاديمي، يوجد تعاون بين الجامعات، وكليات أو معاهد اللاهوت. فدراسة التراث المسيحي، العربي والسرياني، تثير اهتماماً حقيقياً لدى المؤسسات الأكاديمية والسلطات الكنسية. وهذا المجال واعد جداً، ويمكن أن يكون مصدراً للغِنى الروحي: فالعودة إلى التقليد المشترك يمكن أن تكون وسيلة ممتازة للتقارب اللاهوتي. بالإضافة إلى ذلك، فالتراث العربي المسيحي، الذي يحظى أكاديمياً بقيمة بارزة، يساعد على إقامة حوار ثقافي وديني حقيقي بين المسيحيين أنفسهم، ومع المسلمين أيضاً.
وهناك مجال آخر يستحق التعاون المنتظم بين الكاثوليك والأرثوذكس، وهو مجال الطقوس الكنسية. إننا نتمنّى أن يكون هناك مجهود لتجديدها، تنطلق جذوره من التقليد الكنسي، ويأخذ في الحسبان الحساسيات العصرية، والاحتياجات الروحية والرعوية الحالية. وبقدر المستطاع يلزم القيام بهذا العمل سوياً.
العلاقة الخاصة مع الديانة اليهودية
نظراً لحالة الصراع السياسي بين الفلسطينيين والعالم العربي من جهة، وبين دولة إسرائيل من جهة أخرى، فالحوار بين كنائس الشرق الأوسط وإسرائيل محدود جداً. وتقتصر العلاقة مع اليهودية على كنائس الأراضي المقدسة(). ففي فلسطين وإسرائيل توجد مؤسسات عديدة للحوار المسيحي- اليهودي. كما توجد مبادرات للحوار بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. وأهمها هي ما يقوم به "مجلس المؤسسات الدينية في الأرض المقدّسة"، الذي تأسس عام 2001 (ويضم الحاخام الأكبر، والقاضي الأعظم، ووزير الأوقاف، وبطاركة أو رؤساء كنائس القدس الثلاثة عشر). ويتمّ الحوار الأكثر أهمية على مستوى الكرسي الرسولي مع حاخام إسرائيل الأكبر، ويشترك فيه أيضاً ممثلون عن الكنائس المحلية.
وقد وأشار مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك صريحاً إلى العلاقة مع اليهودية، منذ رسالته الرعوية الثانية (1992). وفي الرسالة العاشرة والأخيرة (2009) يقول: "إن هذه العلاقات مسألة تخص المسيحيين العرب، وكذلك كل العالم العربي. لذا يجب اعتبارها على ثلاثة مستويات: المستوى الإنساني، والديني، والسياسي. فعلى المستوى الإنساني، كل شخص بشرى هو خليقة الله. فعلى مستوى هذا اللقاء، يرى كل واحد منا وجه الله في الآخر، فيعترف بكرامته ويحترمه، أياً كانت ديانته أو قوميته.
وعلى المستوى الديني، فالديانات مدعوة إلى الالتقاء والحوار، وإلى أن تكون عاملا للتقارب بين الناس، لاسيما في أزمنة الحرب والأزمات (...). إن دور الرئيس الديني، في كل ديانة، دور صعب، بالأخص في حالة تواصل العداوة بين طرفين (...). إن مجتمعاتنا في حاجة إلى رؤساء دينيين مخلصين، يكونون خدّاماً لشعوبهم وللإنسانية، يرون أن جوهر الديانة، في كل الظروف، يقوم في عبادة الله واحترام كل خلائقه.
وعلى المستوى السياسي، فإن هذه العلاقة مازالت مدموغة بحالة عداوة بين الفلسطينيين والعالم العربي من جانب، وبين الإسرائيليين من الجانب الآخر (تزيدها المفاهيم الدينية خطورة). وسبب هذه العداوة هو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي اللبنانية والسورية."() وعلى هذا المستوى، يرجع إلى الرؤساء السياسيين المعنيّين، بمساعدة الأسرة الدُولية، أن تأخذ القرارات اللازمة، التي تتّفق مع قرارات الأمم المتحدة.
وهذا ما أكّده بوضوح قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، عند زيارته الرسولية للأراضي المقدسة، في حفلي استقباله. ففي ببيت لحم، في 13/5/2009، قال: "سيادة الرئيس، إن الكرسي الرسولي يدعم حقّ شعبكم في وطن فلسطيني، ذي سيادة على أرض أجداده، وطن آمن وفي سلام مع جيرانه، داخل حدود مُعترَف بها على المستوى الدولي.() وفي خطابه في مطار بن غوريون بتل أبيب، في 11/5/2009، تمنىّ قداسته أن "يستطيع الشعبان أن يعيشا في سلام، كل منهما في وطنه، بحدود آمنة ومُعترف بها دُوليا".()
علينا كمسيحيين أن ندعم كل وسيلة سِلميّة يمكن أن تقود إلى سلام عادل. ومن رسالتنا كذلك أن نذكّر دوما بالفارق بين المستوى الديني والمستوى السياسي. وكما ذكر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون صفح"(). يجب أن نتعلّم أن نغفر، دون أن نقبل أبداً الظلم.
إن العمل على خلق مجموعات صداقة وتفكير، من أجل السلام بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، هو واجب جوهري ومسيحي مهم للغاية. فكما هدم المسيح الحائط الذي كان يفصل بين اليهود واليونانيين، آخذاً الشر على ذاته، في جسده (راجع أفسس 2/13-14)، كذلك يتوجب علينا أن نهدم حائط الخوف، وعدم الثقة، والكراهية، وذلك بصداقتنا مع اليهود والمسلمين، والفلسطينيين والإسرائيليين.
أما على المستوى اللاهوتي، فحسب تعليم Nostra Aetate (بيان المجمع الڤاتيكاني الثاني في علاقات الكنيسة بالأديان غير المسيحية)، رقم 4، يجب أن نشرح لمؤمنينا الرباط الديني بين الديانتين اليهودية والمسيحية، والقائم على الرباط بين العهدين القديم والجديد، حتى نتفادى أن تشوّه الإيديولوجيات السياسية هذه العلاقة. فالتمييز الواضح بين المستويين السياسي واللاهوتي أمر جوهري: لا نستخدم الكتاب المقدس لأغراض سياسية، ولا السياسة لأغراض لاهوتية.
العلاقة مع المسلمين
يجب فهم العلاقة بين المسيحيين والمسلمين انطلاقاً من مبدأين: فمن جهة، بصفتنا مواطنين في بلد واحد ووطن واحد، نشترك في اللغة نفسها والثقافة نفسها، كما في أفراح بلادنا وأتراحها. ومن جهة أخرى، نحن مسيحيون في مجتمعاتنا ومن أجل مجتمعاتنا، شهود للمسيح والإنجيل. وأحياناً أو كثيراً ما تكون العلاقات صعبة، بالأخصّ لأن المسلمين يخلطون غالباً بين الدين والسياسة، مما يضع المسيحيين في موقف حرج وكأنهم ليسوا بمواطنين.
في المجمع الڤاتيكاني الثاني، يوم 28/10/1965، أعلنت الكنيسة للعالم أجمع موقفها من الإسلام: "تنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين، الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحمن والكلّي القدرة، خالق السماء والأرض، والذي تكلم إلى البشر
علينا إذن أن نعمل، بروح المحبة والإخلاص، من أجل تثبيت المساواة الكاملة بين المواطنين على كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، وذلك طبقاً لأغلب دساتير بلادنا. بهذا الإخلاص للوطن، وبهذه الروح المسيحية، نواجه الواقع المعاش، الذي قد يحمل صعاباً يومية، بل أيضا بيانات وتهديدات من جانب بعض الحركات. إننا نعاين تصاعد الأصولية في بلاد كثيرة، كما نعاين أيضاً استعداد عدد كبير من المسلمين لمقاومة هذا التطرف الديني المتنامي.
بسبب هذا الوضع العام، ليست العلاقات بين المسيحيين والمسلمين دائماً سهلة. ومن المؤكد أنه يجب عمل كل ما يمكن أن يُسهم في تنقية وتهدئة الأوضاع، أيّاً كانت الصعوبات. وتنطلق المبادرة في أكثر الأحيان من المسيحيين، وينبغي المثابرة على ذلك دون كلل. وهذه العلاقات (التي يمكن أن تتطوّر إلى حوار)، تتجه من حسن الجوار نحو التعاون الوثيق الصادق، على مستوى أفراد وجماعات الديانتين. ومراكز الحوار بين المسيحيين والمسلمين، حيث توجد، هي مفيدة جداً، لاسيما في وقت الأزمات. وللمجلس البابوي للحوار بين الأديان دور هام، بوصفه مؤسسة رسمية للكرسي الرسولي.
تقوم مدارسنا ومؤسساتنا بدور هام في تعميق هذه العلاقات. فهي مفتوحة للجميع، مسلمين ومسيحيين، وتمثّل فرصة للتعارف المتبادل الأفضل، ولاستبعاد بعض الأحكام المسبَّقة، ولاكتساب أفكار أكثر دقّة عن مَن هو المسيحي وما هي المسيحية. كذلك فإن التربية على حقوق الإنسان وعلى حرية الضمير تشكّل جزءاً من التكوين الديني والإنساني العام، وهي حيوية بالنسبة إلى مجتمعاتنا ويجب تنميتها.
إن التعارف المتبادل هو أساس كل حوار. لذلك فإن تقديم الإنجيل والمسيح بطريقة مُبَسَّطة، باللغة المحلية، يعتمد أساسياً على العهد الجديد، وقريب إلى عقلية أبناء مجتمعاتنا، هو أمر واجب ومُلحّ، يلزم القيام به مع باقي المسيحيين في المنطقة. فهو سيعود بالفائدة على المسيحيين كما على المسلمين، على مستوى الحوار أم على مستوى الحياة اليومية.
يوجد الآن العديد من القنوات التليفزيونية المسيحية والإسلامية، باللغة العربية أو بلغات أخرى، تسمح لمن يشاء بالتعرف على الآخَر. ومن المُحبَّذ أن يتمّ هنا تعاون بين جميع الكنائس. ومن الضروري المحافظة عل الموضوعية في تقديم المعلومات، واحترام الآخر في الحوار، حتى يمكن أن تتحقّق فعلاً المشاركة في نعمة الإنجيل.
مساهمة المسيحيين في المجتمع
تحدّيان يواجهان بلادنا
إن التحدّيات القائمة اليوم في مجتمعاتنا تواجه الجميع: المسيحيين واليهود والمسلمين في نفس الوقت. ففي مواجهة الصراعات والتدخّلات العسكرية، تشغل تحدّيات السلام والعنف مكاناً كبيراً. فالكلام عن السلام والعمل لأجله، بينما الحرب والعنف مفروضان في الواقع علينا، هو رهان مستحيل. إنَّ حلَّ الصراعات هو بين يدي البلد القوي، الذي يحتل البلد الآخر أو يفرض عليه الحرب. والعنف هو بين يدي القوي، كما أنه بين يدي الضعيف، الذي يستطيع هو أيضاً اللجوء إلى العنف بما بين يتوافر لديه لكي يتحرَّر. يعيش العديد من بلادنا (خصوصاً فلسطين والعراق) في حالة حرب، وكل المنطقة تتعذّب مباشرةً من ذلك، منذ أجيال. ويستغل الإرهاب العالمي الأكثر حِدّة هذا الوضع.
في أغلب الأحيان تطابق بلادنا الغربَ مع المسيحية. فإن كان تراث الغرب (أوربا وأمريكا) هو في الحقيقة مسيحياً، وإن كانت جذوره مسيحية، إلا أنه من المؤكَّد أن نظام وحكومات هذه البلاد هي اليوم علمانية، بل وبعيدة عن استلهام المبادئ المسيحية في سياساتها. وهذا الخلط، الذي يرجع إلى أن العالم الإسلامي لا يميّز بسهولة بين ما هو سياسي وما هو ديني، يتسبب في أذى شديد لكنائس المنطقة. وبالفعل، فالاختيارات السياسية للدول الغربية، تُحسَب على الإيمان المسيحي. لذلك من الضروري شرح معنى العلمانية، وتذكير بلادنا بأنه لا توجد "رابطة للدول المسيحية" على مثال "منظمة المؤتمر الإسلامي".
إن مساهمة المسيحيين في هذا الظروف، تقوم في تقديم القِيَم الإنجيلية والعيش بموجبها. وكذلك أيضاً في إعلان كلمة الحق في وجه الأقوياء، الذين يطغون، أو يتبعون سياسات تضر مصالح البلد، وفي وجه مَن يردّون على القمع بالعنف. إن التربية على السلام هي الأكثر واقعية، حتى ولو رفضتها الأغلبية. بل إن فرص قبولها هي الأكبر، حيث أن عنف كل من الأقوياء والضعفاء لم يؤدِّ إلا إلى الفشل، وإلى طرق مسدودة في منطقة الشرق الأوسط. إن مساهمتنا، التي تتطلب الكثير من الشجاعة، هي أمر حتمي.
تبدو الحداثة كواقع مُلتبَس. فمن جهة لها وجه جذّاب، يعِد بالرفاهية والرخاء في الحياة المادية، وحتى بالتحرر من التقاليد الثقافية أو الروحية الطاغية. والحداثة هي أيضاً الصراع من أجل العدالة، والدفاع عن حقوق الأكثر ضعفاً، والمساواة بين جميع البشر، رجالاً ونساءً، مؤمنين وغير مؤمنين، وغير ذلك. وباختصار هي أيضاً الإسهام في كل حقوق الإنسان، التي تمثّّل التقدم الهائل للإنسانية. ومن جهة أخرى، بالنسبة إلى المسلم المؤمن، تظهر الحداثة بوجه مُلحد وغير أخلاقي. أنه يعيشها كغزو ثقافي يهدّده، ويخرّب نظام القِيَم الخاص به. وهو لا يعرف كيف يواجهها: البعض يصارعون ضدها بكل قواهم. فالحداثة تجذب وتطرد في نفس الوقت. ودورنا في المدارس كما في وسائل الإعلام، هو تكوين أشخاص قادرين على التمييز بين الإيجابي والسلبي، للتمسّك فقط بالأفضل.
الحداثة هي أيضاً مخاطرة بالنسبة إلى المسيحيين. فمجتمعاتنا هي أيضاً مهدَّدة بتغييب الله، وبالإلحاد والمادية، وأكثر من ذلك بالنِسبية واللامبالاة. يجب أن نذكّر بمكان الله في الحياة المدنية كما في الحياة الشخصية، وأن نصير أكثر فأكثر رجال صلاة، وشهوداً للروح، الذي يبني ويوحّد. إن مخاطر كهذه، شأنها شأن التطرف، يمكن بسهولة أن تهدم أسرنا، ومجتمعاتنا، وكنائسنا. ومن هذا المنطلق، علينا أن نقوم كلنا بمسيرة مشتركة، المسيحيون والمسلمون.
المسيحيون في خدمة المجتمع
نحن ننتمي إلى الشرق الأوسط ونتضامن معه. فنحن عنصر أساسي فيه. وكمواطنين، نحن نشترك في جميع المسؤوليات من أجل البناء والتقويم. وعلاوة على ذلك، فنحن كمسيحيين، يمثّل هذا الأمر التزاماً علينا. ومن هنا ينبع واجبنا من منطلقين للمشاركة في محاربة مساوئ مجتمعنا، إن كانت سياسية، أو قانونية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو أخلاقية. وذلك لنساهم في إقامة مجتمع أكثر عدالة وتضامناً وإنسانية.
وبقيامنا بهذا الدور، نقتفي آثار مَن سبقنا من أجيال المسيحيين، فقد كان إسهامهم عظيماً في مجتمعاتهم، على مستوى التربية، والثقافة، والأعمال الاجتماعية، وذلك منذ أجيال عديدة. لقد لعبوا دوراً أساسياً في الحياة الثقافية، والاقتصادية، والسياسية في بلادهم. فقد كانوا روّاد نهضة الأمة العربية.
واليوم فإن حضورهم في المجال السياسي محدود أكثر، باستثناء لبنان، لاسيما لقلة عددهم. ولكن دورهم مُعترَف به في المجتمع. فبفضل العديد من المؤسسات الكنسية والجمعيات الرهبانية، الكنيسة حاضرة في المجتمع، ويحظى حضورها عادةً بالتقدير. ويا حبذا لو ازداد التزام المؤمنين العلمانيين في المجتمع.
العلاقة بين الدولة والكنيسة
لا توجد علمانية في الإسلام، باستثناء تركيا. فالإسلام هو عادةً ديانة الدولة. والمصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام، الذي يستند إلى الشريعة. وبالنسبة إلى الأحوال الشخصية (الأسرة والمواريث في بعض البلاد)، توجد شرائع خاصة بالطوائف المسيحية، تعترف الدولة بمحاكمها الكنسية وتطبّق أحكامها. وتؤكّد كل الدساتير المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون والدولة. كما أن التعليم الديني إلزامي في المدارس الخاصة والحكومية، وإن كان غير متوافر دائماً للمسيحيين.
أن بعض البلاد هي دول إسلامية، وفيها يتمّ تطبيق الشريعة، ليس فقط على مستوى الحياة الخاصة، وإنما أيضا في الحياة الاجتماعية، حتى على غير المسلمين. وهذا الوضع هو تفرقة عنصرية، وبالتالي مناهض لحقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بالحرية الدينية وبحرية الضمير، فهما مجهولتان في العقلية الإسلامية. فهي تسمح بحرية العبادة، وليس بحرية البشارة بدين آخر غير الإسلام، وأقل أيضاً بحرية التخلي عن الإسلام. ومع تنامي الأصولية الإسلامية، تتزايد الأحداث ضد المسيحيين في كل مكان تقريباً
مساهمة المسيحيين الفريدة والتى لا غِنى عنها
و
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــة
يقع على المسيحي دور خاص ولا غنى عنه في المجتمع الذي يعيش فيه، ليُغنيه بقيم الإنجيل. إنه الشاهد للمسيح وللقِيَم الجديدة التي حملها للإنسانية. لذلك فعلى تربيتنا المسيحية أن تكوّن، في الآن نفسه، الأشخاص كمؤمنين وكمواطنين يعملون في قطاعات المجتمع المختلفة. أما الالتزام السياسي الخالي من قِيَم الإنجيل فهو شهادة مضادة، ويصنع شراً أكبر من الخير. وفي نقاط كثيرة، هذه القيم، وبالأخص حقوق الإنسان، تواكب نفس القيم الموجودة لدى المسلم. فمن المفيد العمل معاً على تنميتها.
توجد في الشرق الأوسط صراعات عديدة، نابعة من المصدر الرئيسي، وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتقع على المسيحي مسؤولية خاصة للمشاركة في مجال العدالة والسلام. فمن واجبنا أن ندين بشجاعة العنف أياً كان مصدره، وأن نقترح الحلّ، الذي لا يمكن أن يأتي إلا من الحوار. علاوة على ذلك، ونحن نطالب بالعدالة للمظلومين، يجب أن نقدم رسالة المصالحة المبنيّة على المغفرة المتبادلة. وبقوة الروح القدس نستطيع أن نغفر وأن نطلب المغفرة. وهذا الاستعداد وحده قادر على خلق إنسانية جديدة. يحتاج القادة السياسيون إلى هذا الانفتاح الروحي، الذي تقدر أن تحمله لهم مساهمة مسيحية متواضعة ومتجرّدة. إن العمل من أجل أن يتمكّن الروح من أن ينفذ إلى قلوب الناس، رجالاً ونساءً، الذين يعانون في منطقتنا من أوضاع الصراع، تلك هي مساهمة المسيحي النوعية، وأفضل خدمة يمكن أن يقدمها للمجتمع.
أسئلة
ـ هل يهيئ التعليم المسيحي شبابنا لفهم الإيمان وعيشه؟
ـ هل تجاوب المواعظ على ما ينتظره المؤمنون؟ وهل تساعدهم على فهم الإيمان وعيشه؟
ـ هل برامج الراديو والتلفزيون المسيحية مُرضيّة؟ وهل تتمنّون شيئا آخر في بلدكم؟ ما هي البرامج التي تنقص؟
ـ كيف نستطيع فعلياً وعملياً تنمية العلاقات المسكونية؟
ـ هل هناك أهمية لإعادة اكتشاف التراث المشترك (السرياني، العربي، وغيره)؟
ـ هل تعتقد أن الطقوس في حاجة إلى شيء من إعادة الصياغة؟
ـ كيف نكون شهوداً للإيمان المسيحي في بلادنا بالشرق الأوسط؟
ـ كيف يمكن تحسين العلاقات مع باقي إخوتنا المسيحيين غير الكاثوليك؟
ـ كيف ترى العلاقة مع اليهودية كديانة؟ وكيف ندعم عملية السلام لإنهاء الصراعات السياسية؟
ـ في أي المجالات يمكن أن يتمّ التعاون مع المسلمين؟
يجب فهم العلاقة بين المسيحيين والمسلمين انطلاقاً من مبدأين: فمن جهة، بصفتنا مواطنين في بلد واحد ووطن واحد، نشترك في اللغة نفسها والثقافة نفسها، كما في أفراح بلادنا وأتراحها. ومن جهة أخرى، نحن مسيحيون في مجتمعاتنا ومن أجل مجتمعاتنا، شهود للمسيح والإنجيل. وأحياناً أو كثيراً ما تكون العلاقات صعبة، بالأخصّ لأن المسلمين يخلطون غالباً بين الدين والسياسة، مما يضع المسيحيين في موقف حرج وكأنهم ليسوا بمواطنين.
في المجمع الڤاتيكاني الثاني، يوم 28/10/1965، أعلنت الكنيسة للعالم أجمع موقفها من الإسلام: "تنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين، الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحمن والكلّي القدرة، خالق السماء والأرض، والذي تكلم إلى البشر
علينا إذن أن نعمل، بروح المحبة والإخلاص، من أجل تثبيت المساواة الكاملة بين المواطنين على كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، وذلك طبقاً لأغلب دساتير بلادنا. بهذا الإخلاص للوطن، وبهذه الروح المسيحية، نواجه الواقع المعاش، الذي قد يحمل صعاباً يومية، بل أيضا بيانات وتهديدات من جانب بعض الحركات. إننا نعاين تصاعد الأصولية في بلاد كثيرة، كما نعاين أيضاً استعداد عدد كبير من المسلمين لمقاومة هذا التطرف الديني المتنامي.
بسبب هذا الوضع العام، ليست العلاقات بين المسيحيين والمسلمين دائماً سهلة. ومن المؤكد أنه يجب عمل كل ما يمكن أن يُسهم في تنقية وتهدئة الأوضاع، أيّاً كانت الصعوبات. وتنطلق المبادرة في أكثر الأحيان من المسيحيين، وينبغي المثابرة على ذلك دون كلل. وهذه العلاقات (التي يمكن أن تتطوّر إلى حوار)، تتجه من حسن الجوار نحو التعاون الوثيق الصادق، على مستوى أفراد وجماعات الديانتين. ومراكز الحوار بين المسيحيين والمسلمين، حيث توجد، هي مفيدة جداً، لاسيما في وقت الأزمات. وللمجلس البابوي للحوار بين الأديان دور هام، بوصفه مؤسسة رسمية للكرسي الرسولي.
تقوم مدارسنا ومؤسساتنا بدور هام في تعميق هذه العلاقات. فهي مفتوحة للجميع، مسلمين ومسيحيين، وتمثّل فرصة للتعارف المتبادل الأفضل، ولاستبعاد بعض الأحكام المسبَّقة، ولاكتساب أفكار أكثر دقّة عن مَن هو المسيحي وما هي المسيحية. كذلك فإن التربية على حقوق الإنسان وعلى حرية الضمير تشكّل جزءاً من التكوين الديني والإنساني العام، وهي حيوية بالنسبة إلى مجتمعاتنا ويجب تنميتها.
إن التعارف المتبادل هو أساس كل حوار. لذلك فإن تقديم الإنجيل والمسيح بطريقة مُبَسَّطة، باللغة المحلية، يعتمد أساسياً على العهد الجديد، وقريب إلى عقلية أبناء مجتمعاتنا، هو أمر واجب ومُلحّ، يلزم القيام به مع باقي المسيحيين في المنطقة. فهو سيعود بالفائدة على المسيحيين كما على المسلمين، على مستوى الحوار أم على مستوى الحياة اليومية.
يوجد الآن العديد من القنوات التليفزيونية المسيحية والإسلامية، باللغة العربية أو بلغات أخرى، تسمح لمن يشاء بالتعرف على الآخَر. ومن المُحبَّذ أن يتمّ هنا تعاون بين جميع الكنائس. ومن الضروري المحافظة عل الموضوعية في تقديم المعلومات، واحترام الآخر في الحوار، حتى يمكن أن تتحقّق فعلاً المشاركة في نعمة الإنجيل.
مساهمة المسيحيين في المجتمع
تحدّيان يواجهان بلادنا
إن التحدّيات القائمة اليوم في مجتمعاتنا تواجه الجميع: المسيحيين واليهود والمسلمين في نفس الوقت. ففي مواجهة الصراعات والتدخّلات العسكرية، تشغل تحدّيات السلام والعنف مكاناً كبيراً. فالكلام عن السلام والعمل لأجله، بينما الحرب والعنف مفروضان في الواقع علينا، هو رهان مستحيل. إنَّ حلَّ الصراعات هو بين يدي البلد القوي، الذي يحتل البلد الآخر أو يفرض عليه الحرب. والعنف هو بين يدي القوي، كما أنه بين يدي الضعيف، الذي يستطيع هو أيضاً اللجوء إلى العنف بما بين يتوافر لديه لكي يتحرَّر. يعيش العديد من بلادنا (خصوصاً فلسطين والعراق) في حالة حرب، وكل المنطقة تتعذّب مباشرةً من ذلك، منذ أجيال. ويستغل الإرهاب العالمي الأكثر حِدّة هذا الوضع.
في أغلب الأحيان تطابق بلادنا الغربَ مع المسيحية. فإن كان تراث الغرب (أوربا وأمريكا) هو في الحقيقة مسيحياً، وإن كانت جذوره مسيحية، إلا أنه من المؤكَّد أن نظام وحكومات هذه البلاد هي اليوم علمانية، بل وبعيدة عن استلهام المبادئ المسيحية في سياساتها. وهذا الخلط، الذي يرجع إلى أن العالم الإسلامي لا يميّز بسهولة بين ما هو سياسي وما هو ديني، يتسبب في أذى شديد لكنائس المنطقة. وبالفعل، فالاختيارات السياسية للدول الغربية، تُحسَب على الإيمان المسيحي. لذلك من الضروري شرح معنى العلمانية، وتذكير بلادنا بأنه لا توجد "رابطة للدول المسيحية" على مثال "منظمة المؤتمر الإسلامي".
إن مساهمة المسيحيين في هذا الظروف، تقوم في تقديم القِيَم الإنجيلية والعيش بموجبها. وكذلك أيضاً في إعلان كلمة الحق في وجه الأقوياء، الذين يطغون، أو يتبعون سياسات تضر مصالح البلد، وفي وجه مَن يردّون على القمع بالعنف. إن التربية على السلام هي الأكثر واقعية، حتى ولو رفضتها الأغلبية. بل إن فرص قبولها هي الأكبر، حيث أن عنف كل من الأقوياء والضعفاء لم يؤدِّ إلا إلى الفشل، وإلى طرق مسدودة في منطقة الشرق الأوسط. إن مساهمتنا، التي تتطلب الكثير من الشجاعة، هي أمر حتمي.
تبدو الحداثة كواقع مُلتبَس. فمن جهة لها وجه جذّاب، يعِد بالرفاهية والرخاء في الحياة المادية، وحتى بالتحرر من التقاليد الثقافية أو الروحية الطاغية. والحداثة هي أيضاً الصراع من أجل العدالة، والدفاع عن حقوق الأكثر ضعفاً، والمساواة بين جميع البشر، رجالاً ونساءً، مؤمنين وغير مؤمنين، وغير ذلك. وباختصار هي أيضاً الإسهام في كل حقوق الإنسان، التي تمثّّل التقدم الهائل للإنسانية. ومن جهة أخرى، بالنسبة إلى المسلم المؤمن، تظهر الحداثة بوجه مُلحد وغير أخلاقي. أنه يعيشها كغزو ثقافي يهدّده، ويخرّب نظام القِيَم الخاص به. وهو لا يعرف كيف يواجهها: البعض يصارعون ضدها بكل قواهم. فالحداثة تجذب وتطرد في نفس الوقت. ودورنا في المدارس كما في وسائل الإعلام، هو تكوين أشخاص قادرين على التمييز بين الإيجابي والسلبي، للتمسّك فقط بالأفضل.
الحداثة هي أيضاً مخاطرة بالنسبة إلى المسيحيين. فمجتمعاتنا هي أيضاً مهدَّدة بتغييب الله، وبالإلحاد والمادية، وأكثر من ذلك بالنِسبية واللامبالاة. يجب أن نذكّر بمكان الله في الحياة المدنية كما في الحياة الشخصية، وأن نصير أكثر فأكثر رجال صلاة، وشهوداً للروح، الذي يبني ويوحّد. إن مخاطر كهذه، شأنها شأن التطرف، يمكن بسهولة أن تهدم أسرنا، ومجتمعاتنا، وكنائسنا. ومن هذا المنطلق، علينا أن نقوم كلنا بمسيرة مشتركة، المسيحيون والمسلمون.
المسيحيون في خدمة المجتمع
نحن ننتمي إلى الشرق الأوسط ونتضامن معه. فنحن عنصر أساسي فيه. وكمواطنين، نحن نشترك في جميع المسؤوليات من أجل البناء والتقويم. وعلاوة على ذلك، فنحن كمسيحيين، يمثّل هذا الأمر التزاماً علينا. ومن هنا ينبع واجبنا من منطلقين للمشاركة في محاربة مساوئ مجتمعنا، إن كانت سياسية، أو قانونية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو أخلاقية. وذلك لنساهم في إقامة مجتمع أكثر عدالة وتضامناً وإنسانية.
وبقيامنا بهذا الدور، نقتفي آثار مَن سبقنا من أجيال المسيحيين، فقد كان إسهامهم عظيماً في مجتمعاتهم، على مستوى التربية، والثقافة، والأعمال الاجتماعية، وذلك منذ أجيال عديدة. لقد لعبوا دوراً أساسياً في الحياة الثقافية، والاقتصادية، والسياسية في بلادهم. فقد كانوا روّاد نهضة الأمة العربية.
واليوم فإن حضورهم في المجال السياسي محدود أكثر، باستثناء لبنان، لاسيما لقلة عددهم. ولكن دورهم مُعترَف به في المجتمع. فبفضل العديد من المؤسسات الكنسية والجمعيات الرهبانية، الكنيسة حاضرة في المجتمع، ويحظى حضورها عادةً بالتقدير. ويا حبذا لو ازداد التزام المؤمنين العلمانيين في المجتمع.
العلاقة بين الدولة والكنيسة
لا توجد علمانية في الإسلام، باستثناء تركيا. فالإسلام هو عادةً ديانة الدولة. والمصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام، الذي يستند إلى الشريعة. وبالنسبة إلى الأحوال الشخصية (الأسرة والمواريث في بعض البلاد)، توجد شرائع خاصة بالطوائف المسيحية، تعترف الدولة بمحاكمها الكنسية وتطبّق أحكامها. وتؤكّد كل الدساتير المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون والدولة. كما أن التعليم الديني إلزامي في المدارس الخاصة والحكومية، وإن كان غير متوافر دائماً للمسيحيين.
أن بعض البلاد هي دول إسلامية، وفيها يتمّ تطبيق الشريعة، ليس فقط على مستوى الحياة الخاصة، وإنما أيضا في الحياة الاجتماعية، حتى على غير المسلمين. وهذا الوضع هو تفرقة عنصرية، وبالتالي مناهض لحقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بالحرية الدينية وبحرية الضمير، فهما مجهولتان في العقلية الإسلامية. فهي تسمح بحرية العبادة، وليس بحرية البشارة بدين آخر غير الإسلام، وأقل أيضاً بحرية التخلي عن الإسلام. ومع تنامي الأصولية الإسلامية، تتزايد الأحداث ضد المسيحيين في كل مكان تقريباً
مساهمة المسيحيين الفريدة والتى لا غِنى عنها
و
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــة
يقع على المسيحي دور خاص ولا غنى عنه في المجتمع الذي يعيش فيه، ليُغنيه بقيم الإنجيل. إنه الشاهد للمسيح وللقِيَم الجديدة التي حملها للإنسانية. لذلك فعلى تربيتنا المسيحية أن تكوّن، في الآن نفسه، الأشخاص كمؤمنين وكمواطنين يعملون في قطاعات المجتمع المختلفة. أما الالتزام السياسي الخالي من قِيَم الإنجيل فهو شهادة مضادة، ويصنع شراً أكبر من الخير. وفي نقاط كثيرة، هذه القيم، وبالأخص حقوق الإنسان، تواكب نفس القيم الموجودة لدى المسلم. فمن المفيد العمل معاً على تنميتها.
توجد في الشرق الأوسط صراعات عديدة، نابعة من المصدر الرئيسي، وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتقع على المسيحي مسؤولية خاصة للمشاركة في مجال العدالة والسلام. فمن واجبنا أن ندين بشجاعة العنف أياً كان مصدره، وأن نقترح الحلّ، الذي لا يمكن أن يأتي إلا من الحوار. علاوة على ذلك، ونحن نطالب بالعدالة للمظلومين، يجب أن نقدم رسالة المصالحة المبنيّة على المغفرة المتبادلة. وبقوة الروح القدس نستطيع أن نغفر وأن نطلب المغفرة. وهذا الاستعداد وحده قادر على خلق إنسانية جديدة. يحتاج القادة السياسيون إلى هذا الانفتاح الروحي، الذي تقدر أن تحمله لهم مساهمة مسيحية متواضعة ومتجرّدة. إن العمل من أجل أن يتمكّن الروح من أن ينفذ إلى قلوب الناس، رجالاً ونساءً، الذين يعانون في منطقتنا من أوضاع الصراع، تلك هي مساهمة المسيحي النوعية، وأفضل خدمة يمكن أن يقدمها للمجتمع.
أسئلة
ـ هل يهيئ التعليم المسيحي شبابنا لفهم الإيمان وعيشه؟
ـ هل تجاوب المواعظ على ما ينتظره المؤمنون؟ وهل تساعدهم على فهم الإيمان وعيشه؟
ـ هل برامج الراديو والتلفزيون المسيحية مُرضيّة؟ وهل تتمنّون شيئا آخر في بلدكم؟ ما هي البرامج التي تنقص؟
ـ كيف نستطيع فعلياً وعملياً تنمية العلاقات المسكونية؟
ـ هل هناك أهمية لإعادة اكتشاف التراث المشترك (السرياني، العربي، وغيره)؟
ـ هل تعتقد أن الطقوس في حاجة إلى شيء من إعادة الصياغة؟
ـ كيف نكون شهوداً للإيمان المسيحي في بلادنا بالشرق الأوسط؟
ـ كيف يمكن تحسين العلاقات مع باقي إخوتنا المسيحيين غير الكاثوليك؟
ـ كيف ترى العلاقة مع اليهودية كديانة؟ وكيف ندعم عملية السلام لإنهاء الصراعات السياسية؟
ـ في أي المجالات يمكن أن يتمّ التعاون مع المسلمين؟
خاتمة عامة
"لا تخف، أيها القطيع الصغير"
أي مستقبل لمسيحيي الشرق الأوسط
إن الوضع الحالي، الذي يتّصف بالحضور المحدود، هو ثمرة التاريخ. ولكننا نستطيع أيضاً بتصرّفنا أن نحسّن حاضرنا وكذلك المستقبل. فمن جهة، تشكّل السياسات العالمية عنصراً سوف يؤثّر على قرارنا بالبقاء في بلادنا أو بالهجرة منها. ومن جهة أخرى، فإن قبولنا لدعوتنا المسيحية في مجتمعاتنا ومن أجلها، ستكون عاملاً رئيسياً لحضورنا وشهادتنا في بلادنا. فهذا الأمر هو في الوقت نفسه مسألة سياسية ومسألة إيمان.
وفي الوقت الحاضر، هذا الإيمان متردّد وحائر. فمواقفنا تتأرجح بين الخوف واليأس، حتى عند بعض الرعاة أنفسهم. يجب أن يصبح هذا الإيمان أكثر نضجاً وأكثر ثقة. يلزم أن نأخذ نحن أنفسنا مستقبلنا بين أيدينا. وهو يرتهن بالطريقة التي سنعرف أن نتعامل بها ونتحالف مع الناس ذوي الإرادة الصالحة في مجتمعنا. فنحن بحاجة إلى إيمان ملتزم في حياة المجتمع، إيمان يذكّر مسيحيي الشرق الأوسط بهذه الكلمة الحالية دائماً: "لا تخف، أيها القطيع الصغير" (لوقا 12/32). فلديك رسالة، سوف تحملها وسوف تساعد كنيستك وبلدك على النمو والتطور في السلام، والعدالة، والمساواة بين جميع المواطنين.
ب - الرجـــــــــــــاء
إن الرجاء، الذي وُلد في الأرض المقدسة، قد أنعش الشعوب والأشخاص المُعذَّبين في العالم كله خلال ألفي سنة. ففي وسط الصعوبات والتحديات يظل هذا الرجاء نبعاً لا ينضب للإيمان، والمحبة، والفرح، لتكوين شهود للمسيح القائم من بين الأموات، والحاضر دائماً وسط جماعة تلاميذه. وفي بلادنا كلِّها، يسندنا هذا الرجاء، مع كلمة الرب يسوع: "لا تخَف، أيها القطيع الصغير! فأبوكم السماوي شاء أن ينعم عليكم بالملكوت" (لوقا 12/32).
لكن الرجاء يعني، من جهة، أن نضع ثقتنا في الله وفي العناية الإلهية، الساهرة على مجرَى تاريخ كل الشعوب. ومن جهة أخرى، يعني أن نعمل مع الله، أن نكون "شركاء في العمل مع الله"(1 كورنتوس 3/9)، وأن نعمل قدر استطاعتنا للمساهمة في هذا التقدم المستمر. لذا يحتاج تعليمنا المسيحي إلى المزيد من الانفتاح، على مقياس حب الله للجميع، ليكون تعليماً يجعل من المؤمنين شركاء حقيقيين، بنعمة الله، في كل جوانب الحياة العامة لمجتمعنا.
إن استسلامنا للعناية الإلهية يعني أيضاً من جهتنا مزيداً من الشركة بيننا، أي المزيد من التخلّي عن وجهات نظرنا الأرضية، وتحرراً أكبر من الأشواك التي تخنق كلمة الله()، وعمل النعمة فينا. وكما يوصى القديس بولس: "وأحبّوا بعضكم بعضاً كإخوة، مفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متّقدين في الروح، عاملين للرب. كونوا فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة" (رومة 12/10–12). ويقول لنا السيد المسيح: "لو كان لكم إيمان بمقدار حبة من خردل، لقلتم لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولَما عجزتم عن شيء" (متى 17/20، راجع: متى 21/21).
نحن في حاجة لمِثل هؤلاء المؤمنين، على مستوى رؤسائنا وآبائنا، كما على مستوى مؤمنينا. فلتساعدنا العذراء مريم، الحاضرة مع الرسل في العنصرة، أن نكون رجالاً ونساء مستعدين لقبول الروح القدس، والعمل بقوّته
"لا تخف، أيها القطيع الصغير"
أي مستقبل لمسيحيي الشرق الأوسط
إن الوضع الحالي، الذي يتّصف بالحضور المحدود، هو ثمرة التاريخ. ولكننا نستطيع أيضاً بتصرّفنا أن نحسّن حاضرنا وكذلك المستقبل. فمن جهة، تشكّل السياسات العالمية عنصراً سوف يؤثّر على قرارنا بالبقاء في بلادنا أو بالهجرة منها. ومن جهة أخرى، فإن قبولنا لدعوتنا المسيحية في مجتمعاتنا ومن أجلها، ستكون عاملاً رئيسياً لحضورنا وشهادتنا في بلادنا. فهذا الأمر هو في الوقت نفسه مسألة سياسية ومسألة إيمان.
وفي الوقت الحاضر، هذا الإيمان متردّد وحائر. فمواقفنا تتأرجح بين الخوف واليأس، حتى عند بعض الرعاة أنفسهم. يجب أن يصبح هذا الإيمان أكثر نضجاً وأكثر ثقة. يلزم أن نأخذ نحن أنفسنا مستقبلنا بين أيدينا. وهو يرتهن بالطريقة التي سنعرف أن نتعامل بها ونتحالف مع الناس ذوي الإرادة الصالحة في مجتمعنا. فنحن بحاجة إلى إيمان ملتزم في حياة المجتمع، إيمان يذكّر مسيحيي الشرق الأوسط بهذه الكلمة الحالية دائماً: "لا تخف، أيها القطيع الصغير" (لوقا 12/32). فلديك رسالة، سوف تحملها وسوف تساعد كنيستك وبلدك على النمو والتطور في السلام، والعدالة، والمساواة بين جميع المواطنين.
ب - الرجـــــــــــــاء
إن الرجاء، الذي وُلد في الأرض المقدسة، قد أنعش الشعوب والأشخاص المُعذَّبين في العالم كله خلال ألفي سنة. ففي وسط الصعوبات والتحديات يظل هذا الرجاء نبعاً لا ينضب للإيمان، والمحبة، والفرح، لتكوين شهود للمسيح القائم من بين الأموات، والحاضر دائماً وسط جماعة تلاميذه. وفي بلادنا كلِّها، يسندنا هذا الرجاء، مع كلمة الرب يسوع: "لا تخَف، أيها القطيع الصغير! فأبوكم السماوي شاء أن ينعم عليكم بالملكوت" (لوقا 12/32).
لكن الرجاء يعني، من جهة، أن نضع ثقتنا في الله وفي العناية الإلهية، الساهرة على مجرَى تاريخ كل الشعوب. ومن جهة أخرى، يعني أن نعمل مع الله، أن نكون "شركاء في العمل مع الله"(1 كورنتوس 3/9)، وأن نعمل قدر استطاعتنا للمساهمة في هذا التقدم المستمر. لذا يحتاج تعليمنا المسيحي إلى المزيد من الانفتاح، على مقياس حب الله للجميع، ليكون تعليماً يجعل من المؤمنين شركاء حقيقيين، بنعمة الله، في كل جوانب الحياة العامة لمجتمعنا.
إن استسلامنا للعناية الإلهية يعني أيضاً من جهتنا مزيداً من الشركة بيننا، أي المزيد من التخلّي عن وجهات نظرنا الأرضية، وتحرراً أكبر من الأشواك التي تخنق كلمة الله()، وعمل النعمة فينا. وكما يوصى القديس بولس: "وأحبّوا بعضكم بعضاً كإخوة، مفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متّقدين في الروح، عاملين للرب. كونوا فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة" (رومة 12/10–12). ويقول لنا السيد المسيح: "لو كان لكم إيمان بمقدار حبة من خردل، لقلتم لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولَما عجزتم عن شيء" (متى 17/20، راجع: متى 21/21).
نحن في حاجة لمِثل هؤلاء المؤمنين، على مستوى رؤسائنا وآبائنا، كما على مستوى مؤمنينا. فلتساعدنا العذراء مريم، الحاضرة مع الرسل في العنصرة، أن نكون رجالاً ونساء مستعدين لقبول الروح القدس، والعمل بقوّته